المصدر: وكالة أخبار اليوم
الأربعاء 1 تموز 2020 17:36:02
المتغيّرات تتسارع على أكثر من مستوى. والقرار المتعلّق بإلغاء مادّة اللّحم من وجبات العسكريّين، التي تقدّم لهم خلال الخدمة، بسبب الأوضاع الإقتصادية الصّعبة، يشكّل الدّليل الأكبر على أن التعثّر السياسي الذي يتسبّب بـ "دمار" إقتصادي ومالي شامل، بات خطيراً جدّاً، لِكَوْنه بدأ ينهش الذّات، إذ إنّه وصل الى القلب الذي هو المؤسّسة العسكرية.
لا يُمكن الاستخفاف بأي تطوّر مثير للجدل يطال المؤسّسة العسكرية، مهما بدا عاديّاً أو بسيطاً. فالبلد يقف أمام منعطفات خطيرة، داخلية وإقليمية، تبدأ من الشارع اللّبناني الذي سيزيد التهابه بسبب التدهور المتزايد للعملة الوطنية، وتصل الى إمكانيّة الوصول الى توتّر إقليمي معيّن، حتى ولو لم يبلغ حدّ اندلاع حرب، بالضّرورة. وهو ما يفترض عدم إغراق المؤسّسة العسكرية بمتاعب إضافية.
رواتب العسكريين، وتعويضات نهاية خدمتهم، بالإضافة الى قدراتهم المعيشيّة والحياتيّة، تتآكل، في أسوأ لحظة، خصوصاً أنّهم يتعرّضون لاعتداءات أو مضايقات خلال مواكبتهم تحرّكات الشّارع. ولا يجوز جَعْل العسكريّ تحت ضغوط نفسيّة من الباب المعيشي، يُمكن تفاديها، إذ يتوجّب توفير طاقته للتدريب والاهتمام بالتقدّم على مستوى الأداء العسكري، بدلاً من الانغماس في الهموم الحياتيّة.
خطورة
عبّر العميد المتقاعد، وقائد عملية "فجر الجرود"، فادي داوود عن أنه "لا بدّ أوّلاً من توضيح أن العسكريّ لا يأكل اللّحوم صباحاً وظهراً ومساءً. وتغذية عناصر الجيش يحدّدها خبراء تغذية، ولا تخضع لمشيئة العناصر العسكرية. واللّحم لا يشكّل قوام غذاء العسكريين. ورغم ذلك، باتت تغذية العناصر العسكرية في خطر، بسبب الوضع الذي نحن فيه حالياً على مستوى البلد عموماً".
وأوضح في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" أن "السؤال الأساسي يبقى، الى أي مدى يمكن للعسكريّ أن يستمرّ ويصمد في مهامه، فيما تغذيته صارت متعثّرة، وهي من ضمن الضرورات القصوى التي لا ترتبط بتدريباته العسكرية فقط، بل بمهامه القتالية أيضاً. فالوجبة الساخنة هي من أولى المعنويات للعسكري خلال المهام القتالية. وعدم الجوع والعطش هما من الشروط الأولى لإبقاء معنوياته مرتفعة. وبالتالي، تقنين الطعام للعسكري هو أمر شديد الخطورة".
وقال:"ما يتعرّض له الجيش من مخاطر مؤخّراً لا تنحصر بالملف الغذائي فقط. فما هو وضع الطبابة؟ وما هو حال المستشفيات العسكرية؟ وماذا عن تقديمات التعليم لأولاد العسكري؟ شدّ الحزام على العسكر هو مؤشر الى أنّنا وصلنا الى نقطة الخطر على سيادة الدولة اللّبنانية، إذ لا سيادة بلا سلاح، وبلا أوضاع سليمة للعسكريّين".
الى الشارع...
وردّاً على سؤال حول إمكانيّة أن ينضمّ الجيش الى صفوف الشارع المُلتهِب معيشياً، في تلك الحالة، أجاب داوود:"الجيش سيكون أمام شعب جائع يطالب بالخبز، فيما العناصر العسكرية تُعاني من الوضع نفسه، مع فارق أساسي هو أن الجيش أقسم اليمين للحفاظ على هيكلية الدولة، وعلى مؤسّساتها الدستورية، وعلى عدم السّماح بانتهاكها".
وأضاف:"من هنا، سيسمح الجيش بالتعبير، وبتنفيس الغضب. ولكنّنا ندعو الناس الى التحلّي بالوعي، والى عَدَم الاعتداء على العناصر العسكرية، والى عدم النّظر إليهم وكأنّهم يحمون الانهيار. فالجيش يشعر مع النّاس، وهو غير مسؤول عن الأزمة المعيشية. ولكنّه يقوم وسيقوم بدوره للحفظ على البلد، وعلى مؤسّساته، وهذا واجبه".
العسكر والمال
وشدّد داوود على أن "العسكر والمال هما من أركان أي دولة. انهار المال في لبنان، ولكن إذا انهار العسكر لا سمح الله، فعلى الدّنيا السلام".
وختم:"هذا الواقع يتطلّب اتّخاذ قرارات كبيرة على صعيد الداخل. فمستقبل لبنان يُرسَم خلال الحقبة الحالية، لخمسين أو حتى لمئة عام قادم، سواء على مستوى شكل البلد السياسي، أو في ما يتعلّق بالمدارس العقائدية التي يتوجّب عليه (لبنان) أن يتبعها، على مستوى السياسة والاقتصاد والعسكر".