المصدر: نداء الوطن
الكاتب: عماد الشدياق
الخميس 30 كانون الثاني 2025 06:27:01
يتأهب النواب مع قرب ولادة الحكومة، لمواكبة المرحلة الجديدة. الكل يعتبر أنّ "قطار الإصلاح" سينطلق، ولا بدّ من مؤازرة العمل الحكومي، الذي يراهن عليه الشعب اللبناني، من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني مجدداً.
من بين محاولات مؤازرة العهد والحكومة فور تشكيلها وانطلاقتها، تندرج المبادرة التي قام بها النائب فريد البستاني قبل نحو أسبوع، من خلال اقتراح قانون تقدّم به إلى المجلس النيابي في 22 من الشهر الجاري، وعنوانه "حماية الودائع بالعملات الأجنبية العالقة في المصارف اللبنانية وإعادة الانتظام في عمل القطاعين المالي والمصرفي".
القانون يتألف من 8 مواد فقط، لكنّ أهميته تكمن في أنّه يختلف في الشكل، عن سائر ما طُرح من قبل لحلّ أزمة الودائع، إذ يحاكي الاقتراح ولو بشكل خجول، ما كانت السلطة ترفضه قبل ذلك، وهو: توزيع المسؤولية بين المصرف المركزي، المصارف، والدولة اللبنانية.
أمّا في المضمون، فإنّ النقاط المبيّنة أدناه هي أبرز ما ورد فيه:
1- يحاول اقتراح القانون إعادة الاعتبار لعملة "اللولار" (الدولارات المحتجزة) ويجعلها مجدداً "عملة قابلة للتداول"، وذلك من خلال التأكيد على أولوية تأمين السيولة لإجراء أيّ عملية مالية من أيّ نوع كانت مثل التسديد والتحويل والسحب والشراء والدفع... وهو ما كان غير متوفّر طوال سنوات الأزمة الخمس الماضية. إذ كان "اللولار" عملة مصرفية لا يمكن استخدامها إلا من خلال شراء وبيع الشيكات المصرفية أو سحبها "كاش" بحسم يصل إلى قرابة 85%.
ولا شك أن هذا الأمر مهم جداً ويحتاج إلى إجراءات مشتركة من وزارة المالية ومصرف لبنان، وذلك من خلال اتخاذ اجراءات لتكون كفيلة بفرض التعامل بتلك الودائع بقيمتها الاسمية نقداً وإدخالها مجدداً في الحركة الاقتصادية. كما أن المادة الاولى من القانون تؤكد حماية الودائع كحق مكفول في المادة 15 من الدستور.
2- في المادة الثانية، يطلب القانون من الحكومة اللبنانية (الدولة) ضرورة تسديد موجباتها (الديون والتسليفات) لصالح مصرف لبنان، وذلك في مهلة حددها الاقتراح بـ3 سنوات... لأنّ لسان حال المصارف كان طوال السنوات السابقة يردّد بالسر والعلن: كيف لي أن أردّ ودائع المودعين في حال تعثر مصرف لبنان في رد ودائعنا لديه؟
3- اقتراح القانون يطلب من الحكومة أيضاً، إعادة تكوين رأس مال مصرف لبنان، بقيمة تساوي 25% من أصوله. كما يتطرق للمرة الأولى إلى مصير سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. وكذلك يُلزم الحكومة بدفع قيمتها إلى حاملي تلك السندات ضمن مهلة سنة واحدة. في الخطط السابقة كانت الحكومة تتعهد بإعادة تكوين رأس مال "المركزي" بما يصل إلى 2.5 مليار دولار، وهنا لا نعرف ما قيمة أصول مصرف لبنان وهل فعلاً تساوي 10 مليارات دولار أو أكثر؟
4- على المنوال نفسه، يفرض اقتراح القانون إعادة هيكلة سندات "اليوروبوندز"، وكذلك جدولة تسديدها في مهلة تصل إلى 30 سنة، ويشترط في الوقت نفسه ألا تُصدر الحكومة سندات جديدة، بما يفوق 25% من قيمة الناتج المحلي لكل سنة سابقة. مثلاً، إذا كان الناتج المحلي للعام 2024 هو 20 مليار دولار، فإنّ أيّ إصدار لسندات "اليوروبوندز" يجب ألا يزيد عن 5 مليارات دولار.
5- القانون يلزم مصرف لبنان بتفنيد ميزانيته الشهرية، وذلك من خلال إيداع أرباحه الشهرية (إن حصلت) في حساب منفصل، يستطيع الرأي العام معرفة ما يحققه المصرف المركزي من أرباح، من دون "التبصير" و"الضرب بالرمل" من أجل معرفة ما يملك من احتياطيات وأرباح، على غرار ما كان يحصل أيام الحاكم السابق رياض سلامة، وذلك مساهمة في إعادة تكوين سيولة الودائع.
6- يحاول اقتراح القانون، إعادة الاعتبار لعمل لجنة الرقابة على المصارف التي تُغيّب نفسها لأسباب مجهولة عن هذا الدور منذ سنوات. إذ يلزم اقتراح القانون المصارف المحلية بتقديم تصريح مفصّل، يُظهر حجم ودائعها بالعملات الأجنبية، وذلك بالحسابات الداخلية، وتلك الخارجية لدى المصارف المراسلة، ولدى مصرف لبنان... وهذا تفصيل مهم وكفيل بإظهار "الحقيقة النقدية" لكل مصرف من دون القدرة على إخفائها من خلال تداخل الحسابات بين الداخل والخارج.
7- يطلب اقتراح القانون من المصارف إعادة تكوين سيولة تعادل التحويلات إلى الخارج لأعمال غير تجارية وذلك بعد تاريخ 17 تشرين الأول 2019. بمعنى آخر يلزم الاقتراح جميع المصارف المحلية بإعادة تكوين السيولة التي حولتها إلى الخارج بعد الأزمة. كما يُلزم القانون المصارف باعادة تكوين رؤوس أموالها.
8- يسعى اقتراح القانون إلى ملاحقة المساهمين وأعضاء مجلس إدارة المصارف، واتهام مصرفهم بـ"التوقف عن الدفع" في حال لم يقم المصرف بإعادة تكوين سيولته ورؤوس أمواله. كما يمنع اقتراح القانون جميع المصارف المحلية من توزيع أيّ أرباح على مساهميها، وذلك لمدة 3 سنوات متتالية... وهذا طبعاً من أجل حضّها على تكوين تلك السيولة.
9- يتطرق القانون للمرة الأولى، إلى الديون بالعملة الأجنبية التي سُددت بقيمة أقل من قيمتها (على 1500 ليرة)، ويدعو إلى احتساب الفرق بتاريخ إجراء كل عملية، بوصفه "ربحاً استثنائياً" محققاً بالدولار الأميركي، ووجب إخضاعه لضريبة مباشرة قدرها 50% مع مهلة سنة لتسديدها، أو تقسيطها على 5 سنوات مع فائدة نسبتها 9%. على أن تُستثنى من ذلك القروض الشخصية والسكنية حتى مبلغ 100 ألف دولار... وهذا كفيل بإعادة مبلغ من أصل الودائع قد يصل إلى 5 مليارات دولار.
10- التدقيق في عمليات منصة "صيرفة" (المقدرة بقرابة 2 مليار دولار) على أن يدفع المستفيدون منها ضريبة مباشرة من كل الأرباح بنسبة 50% مع إمكانية التقسيط بفائدة 9%، ويستثنى من ذلك موظفو القطاع العام والخاص وذلك بما يتناسب مع رواتبهم الشهرية. وكذلك التدقيق في عمليات دعم السلع الاستهلاكية التي حصلت خلال حكومتي الرئيسين حسان دياب ونجيب ميقاتي، والتي تُقدرها أوساط مصرف لبنان بنحو 11 مليار دولار (10 آلاف عملية).
11- الاقتراح يحضّ الحكومة كذلك، على إصدار قانون "خطة التعافي الاقتصادي والمالي"، بشرط ألّا يتعارض مضمون الخطة مع الاقتراح، كما يحضّ مصرف لبنان على وضع استراتيجية نقدية. كما يطلب من المصارف ضمان حرية المودع بالتصرف بوديعته نقداً بشكل تدريجي، وذلك وفق برنامج وضّح الاقتراح تفاصيله ووزعها كالتالي:
- %10 من قيمة الوديعة للسنتين الأولى والثانية، ثلثاها بعملة الحساب والثلث المتبقي بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الحرّ.
- %15 من قيمة الوديعة للسنتين الثالثة والرابعة، ثلثاها بعملة الحساب، والثلث المتبقي بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الحرّ.
- %25 من قيمة الوديعة، للسنتين الخامسة والسادسة، ثلثاها بعملة الحساب، والثلث المتبقي بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الحرّ.
لا يفصل هذا الاقتراح بين ودائع ما قبل الأزمة وما بعدها، ويأخذها كلّها بالجملة. كما لا يميز بين ودائع الليرة التي تحوّلت إلى العملة الأجنبية (قبل وبعد الأزمة) وتلك بالدولار الأميركي الصافية (الفريش)... وهذا البند قد يكون بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتفصيل.