قانون الشراء العام يقر بضغط دولي وثغرات قد تحول دون تطبيقه

يعدّ قانون «الشراء العام» الذي أقره مجلس النواب اللبناني الأسبوع الماضي، أحد أبرز القوانين الإصلاحية التي يدفع باتجاهها المجتمع الدولي منذ فترة إلى جانب القوانين المرتبطة بإصلاح قطاع الكهرباء واستقلالية السلطة القضائية. لكن هذا القانون يبدو عرضة للطعن من قبل «التيار الوطني الحر» الذي يعترض كما يقول على آلية التعيين التي لحظها، في حين يرد خصوم «التيار» اعتراضه حصراً لرئاسة المدير العام الحالي لدائرة المناقصات جان العلّيّة لهيئة الشراء العام خلال الفترة الانتقاليّة، باعتبار أنه على خلاف مع «التيار».


وينظم قانون «الشراء العام» كل ما تشتريه الدولة اللبنانية والقطاع العام بكل مؤسساته من وزارات ومجالس وبلديات، وهو قانون يُراد منه وضع حدّ لـ«الفوضى» في المناقصات والمشتريات.


ويشير ياسين جابر، النائب الذي تقدم بهذا القانون ورئيس اللجنة التي درسته، إلى أن «هذا القانون مطلوب من كل الهيئات الدولية التي يمكن أن تساعد لبنان، ومن كل الشركات العالمية التي إذا أرادت أن تعمل ببلد ما يهمها الشفافية وتكافؤ الفرص للعارضين». وقال في تصريح إلى «الشرق الأوسط»، «في المرحلة القادمة سيضطر لبنان إلى الإنفاق من أموال وهبات خارجية أو مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص وبات لدينا القوانين اللازمة وأبرزها القانون الذي ينظم هذه الشراكة وأقر عام 2017، إضافة إلى قانون الشراء العام». ويعدّ جابر، أن «البنية التشريعية موجودة وجاهزة لمواكبة المرحلة المقبلة، خاصة أن هناك قوانين صادرة ولم تطبق كقانون إعادة هيكلة قطاع الكهرباء، قانون إعادة هيكلة قطاع الاتصالات، قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وغيرها كثير من القوانين... ويبقى القانون الأهم الواجب إقراره قانون استقلالية القضاء الذي يعدّ مفصلاً أساسياً لكل الشركات الأجنبية والمستثمرين الذين يريدون العمل في بلد ما».

 

من جهته، يشير النائب أسعد درغام، عضو تكتل «لبنان القوي» المؤيد للرئيس ميشال عون، إلى أن قيادة «التيار الوطني الحر» لم تتخذ حتى الساعة قراراً بالطعن به أم لا»، لافتاً إلى أن اعتراضاته مرتبطة بشكل أساسي بآلية تعيين أفراد الهيئة، واصفاً إياها بـ«غير الدستورية باعتبار أن المجلس الدستوري رفضها في العامين 2001 و2020». وإذ يشدد درغام في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن معارضتهم «بحث تقنية ودستورية لأحد بنوده»، يقول «نحن إلى جانب هذا القانون، والنائبان آلان عون وفريد البستاني عملا عليه وشاركا باللجان الفرعية... ونحن نتعاطى معه كأحد أهم القوانين لمحاربة الفساد والمحافظة على المال العام؛ كونه آلية شفافة تعلن فيها المناقصات والنتائج».


وأعد القانون معهد «باسل فليحان المالي والاقتصادي» بالتعاون مع 13 خبيراً لبنانياً ودولياً.


ويصف رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية الدكتور بول مرقص القانون الجديد بـ«النقلة النوعية» في كيفية إجراء الصفقات العمومية في لبنان، بحيث إن القانون السابق مر عليه أكثر من نصف قرن ولم يكن يراعي متطلبات الشفافية، ويستفيد منه الفاسدون من السياسيين والمقاولين معاً في صفقات تحت الطاولة كانت تجرى انطلاقاً من الكثير من الثغرات. ويتحدث مرقص لـ«الشرق الأوسط» عن «إيجابيات كثيرة أتى بها القانون الجديد لناحية تحديث القواعد المتعلقة بعملية الشراء والتخطيط المسبق من قبل الإدارة لكيفية صرف الأموال العامة واستشراف حاجاتها والتنسيق في ذلك، إضافة إلى الرقابة التي أتى بها وعززها».


ويعدّ مرقص أن «النص الجديد على أهميته لا يمكن أن يكون قابلاً للتطبيق في الواقع الراهن؛ لأنه يأتي بإطار حكمية غير رشيدة، لا، بل فاسدة»، لافتاً إلى أن «هذه المنظومة الفاسدة القائمة يمكنها على رغم تقدمية القانون أن تتحايل عليه وتنفذ منه». وأوضح أن «أبرز الثغرات أنه لا يولي استقلالية تامة للهيئات المشرفة على الشراء العام والاعتراضات ويسمح بتدخل السلطة التنفيذية لحدود معينة في تشكيل وتسيير عمل هذه الهيئات».


وتعدّ منظومة الشراء العام في لبنان ذات جودة متدنيّة؛ إذ يبلغ المؤشر العام لجودة دورة الشراء 48-100» وفقاً لموجز إصلاح الشراء العام في لبنان الصادر عن «معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي» في أيار 2020. وهذه النتيجة المتدنية تعود لأسباب عدّة، من أبرزها تبعثر الأطر القانونيّة التي ترعى الشراء العام في لبنان وعدم تطابقها مع معايير الشفافيّة المطلوبة لتعزيز الحوكمة الرشيدة.


ورأت «الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد»، أن القانون الجديد «وعلى الرغم من أن العديد من أحكامه تعمل على تطوير منظومة الشراء العام، فإنه يملك عدداً من المساحات التي تتيح للمتربصين بالإدارة العامة ومقدرات الشعب اللبناني أن يعيثوا فساداً فيها، فعدم التعاطي مع الشفافية على أنها حق دستوري وأساسي من حقوق الإنسان، وعدم التطرق لأصحاب الحقوق الاقتصادية للشركات المتعاقدة والتي سوف تتعاقد مع الدولة، كما وعدم إشراك هيئات المجتمع المدني في مراقبة إجراءات الشراء... كل ذلك يقوض فاعلية القانون الجديد».