المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بو منصف
الجمعة 7 تشرين الثاني 2025 07:21:07
غالباً ما عرف لبنان، في تاريخه المثقل بمراحل خليطة ما بين الحرب والسلم، تجارب ومفارقات "غرائبية" يرتفع فيها ضجيج طبول الحرب مع إعلاء صوت مناسبات هي الأكثر رمزية للسلام والاستقرار، ولكن الجاري الآن في استعادة هذا "النموذج" النادر من التجارب قد يكون الأشد غرابة. المقصود أن إسرائيل والموفد الأميركي "المتفرغ" لإسماع اللبنانيين يوميات تحذيراته وإنذاراته أو نصائحه أو هجائياته لبلد أجداده ومسقطه الأصلي توم براك، لم يتركا أدنى شك بعد الآن في أن حرباً جديدة ستسقط على أرض لبنان في مهلة أقصاها نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، في حين أن نهاية هذا الشهر يفترض أن تشهد الزيارة التاريخية الأولى للبابا لاوون الرابع عشر للبنان.
هذه المفارقة تزداد ريبة وشكاً وخوفاً، حين يلتزم الفاتيكان والكنائس اللبنانية والدولة اللبنانية، الصمت المقلق عن "هجوم" منهجي ديبلوماسي سياسي وإعلامي إسرائيلي متكئ على موقف علني أميركي يجسده توم براك الذي لم تعلن إدارته بعد، أيَّ نزع لملف لبنان منه، وتالياً فإن كل ما يعلنه يكتسب دلالات رسمية جدية. هذا الهجوم ثبت ويثبت وسيثبت حتى أواخر تشرين الثاني أن مهلة الإنذار هي غاية في الجدية ولا تحتمل هامش اجتهاد حيال كونها فقط مناورة ضغوط. وتالياً، ثمة "رزمة" تساؤلات تفرضها هذه المفارقة، لا ندري ما إذا كانت تثار أو تطرح لدى المعنيين كافة، في الداخل اللبناني والخارج الدولي المعني برصد العد العكسي الجاري لتنفيذ الوعيد بحرب إسرائيلية متجددة على مناطق انتشار مواقع وقواعد "حزب الله" في لبنان.
في المقام الأول يتوقع ويتطلع ملايين اللبنانيين وغير اللبنانيين، إلى زيارة البابا الجديد على أنها مفترق تاريخي دافع نحو ترسيخ السلام والاستقرار في لبنان، بمعنى أن لا يكون بعدها كما قبلها من مراحل غرق في التخبط بالحروب وتداعياتها، بل أن تشكل رادعاً للحروب ولعبث الدول الإقليمية تحديداً كإيران وإسرائيل في الدرجة الأولى بسلام هذا البلد الأقرب إلى وجدان الفاتيكان. فهل يعني تحديد مهلة حربية على وقع استعداد لبنان لزيارة البابا، أن تستبق الزيارة بحرب أو تمرر الزيارة ليشتعل لبنان بعدها بحرب ضروس؟ ولماذا يخشى الفاتيكان ولبنان الرسمي والكنسي والسياسي إعلاء صوت التحذير من إفراغ زيارة البابا سلفاً بهذا الضجيج الحربي؟
أخطر ما يتراءى من أجوبة عن هذه المفارقة الخطيرة أن تكون إنذارات المهلة القاتلة مادة توظيف وتقاطع لدى الأعداء. فإسرائيل تندفع نحو لبنان بغرابة فيما لا تخضع حكومتها لمساءلة عن تضخيمها المفاجئ لحجم إعادة "حزب الله" تعزيز قدراته العسكرية والتسليحية، ولماذا فجأة عاد "حزب الله" الكابوس الأمني الأول لها بعدما كانت تأكيداتها أن الضربات المتلاحقة التي وجهتها إليه دمرت أكثر من ثلثي ترسانته الحربية؟
وفي المقابل، على الضفة اللبنانية الكارثية، هل ترانا أمام تكرار كارثي لنمطية "حزب الله" وداعمته إيران في استدراج إسرائيل إلى تدمير ما لم يدمر بعد من مناطق لبنانية حتى لو تعرض الحزب لتصفية نهائية؟ ومتى تراه الحزب يختار بين الانضواء تحت لواء الدولة والشرعية اللبنانية أو التصفية المتدرجة تحت نار الحرب الإسرائيلية المتدحرجة على مراحل؟
هذه المعادلات والغرائبيات تطحن أمان اللبنانيين وتوقهم إلى النجاة ببقايا آمال علقت على واقع جديد، فإذا بها أضغاث كوابيس متجددة. وما يعيشه اللبنانيون الآن أقرب إلى مناخ ترهيبي يستعصي من يبدل مساره، كأن ما كتب قد كتب... ومن بعده الطوفان!