قدرة الخارج على التغيير تتضاءل؟

على رغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبقى قادراً على التمديد لموفده الى لبنان جان إيف لودريان من أجل المساعدة في حل أزمة الانتخابات الرئاسية لاعتبارات تتعلق بلبنان وموقعه بالنسبة الى فرنسا وصلاحيات الرئاسة وعدم وجود خلافات فعلية إزاء دعم الجيش اللبناني، ثمة خشية متعاظمة من تضاؤل كبير لقدرة القوى الخارجية لا سيما منها الدول التي بدأت تشهد تغييرات كبيرة على غرار فرنسا واحتمال أن يصل ذلك الى الولايات المتحدة على التأثير على لبنان في المرحلة القريبة.

يبقى الأمل معلقاً على قدرة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين على التحرك أيضاً رغم أن الارتباك اللاحق بترشيح الرئيس جو بايدن والضغط لانسحابه قد يؤثر على حركته، إذ تستفيد قوى متعددة عادة من واقع "البطة العرجاء" الذي تتحول إليه إدارة أميركية في الأشهر الأخيرة من وجودها في البيت الأبيض ولا سيما إذا ظللها شبح الخسارة المحتملة كما يبدو في حال بايدن راهناً على الأقل، من أجل رفع سقف شروطها وعدم التساهل إزاء التسويات المطلوبة من أجل بيعها على نحو باهظ لخليفته المحتمل. فيما يناقض سياسيون ذلك بالاعتقاد أن شبح عودة دونالد ترامب قد يدفع في اتجاه إنجاز تسويات قبل موعد الانتخابات الأميركية تماماً كما حصل قبل وصوله في 2016.

حتى الآن ومع تزايد التوتر بين إسرائيل و"حزب الله"، عملت الولايات المتحدة وفرنسا من أجل منع توسع الحرب فتورط أميركا وإيران كذلك. من غير المستبعد أن يكون الحل أبعد من إيجاد تسوية تعيد النازحين في كلا الجانبين الإسرائيلي واللبناني وقد يجد عراقيل بناءً على التطورات الخارجية. أولاً استناداً الى إلحاح الحاجة لإنهاء أزمة ضاغطة وجبهة مفتوحة من دون القدرة على توسيعها في اتجاه معالجة أوسع في اتجاه سياسي داخلي فتحول دون تسجيل "حزب الله" ومعه إيران نقاطاً تأكيدًا لنفوذها أو ترسيخه.

فهناك كما كانت الحال دوماً حاجة الى لملمة تداعيات الحرب العسكرية التي تنتهي الى تفاهم ما في وقت يبدو فيه إهمال الجزء المتعلق بمعالجة الفراغ الرئاسي وتمكين لبنان من إعادة مؤسساته الدستورية وضمان بقاء الدولة اللبنانية، بمثابة قصور دولي وتمكين المتحكم الأساسي بالوضع في لبنان أي "حزب الله" ومعه إيران. فلبنان ساحة للصراعات الإقليمية، والإهمال الغربي القسري للوضع الداخلي في لبنان لن يؤدي إلا إلى تقوية خصوم الغرب.

ووصول مرشح "إصلاحي" في إيران لن يغيّر من واقع الدعم الإيراني للحزب أو عدم سعي إيران الى الحصول على تثبيت أميركي لنفوذها على البحر المتوسط.

فحتى الآن، كان تحرك اللجنة الخماسية التي تضم سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة السعودية وقطر ومصر والذي بدأ قبل أشهر طويلة من حرب غزة واستمر بعدها يوازن بين التحرك لإيجاد حلّ للأزمة الداخلية والتحرك الأميركي وكذلك الفرنسي لمنع توسع الحرب وتهدئة الوضع جنوباً. الاضطرار قسراً الى تجميد تحرك الخماسية لعدم وجود أفق راهناً لأي حلحلة تترك إلحاح تهدئة الوضع الجنوبي وتداعياته وحده في الواجهة وما يعنيه ذلك من انعكاسات محتملة.

وهناك من يعتقد أنه حتى مراحل خطة هوكشتاين قد تجد فرملة إذا تأخر الوضع الجنوبي على خلفية أن وقف النار في غزة وإن لم يعلن على أنه كذلك، تراوغ فيه إسرائيل كما تراوغ فيه حركة "حماس" من أجل ضمان بقائها واستمراريتها شأنها في ذلك شأن بنيامين نتنياهو.

وتالياً فالوضع الجنوبي سيبقى معلقاً. وإذا قُدّر لهوكشتاين الاستمرار، فإن ثمة أسئلة إزاء تنفيذ الاتفاق الممرحل. فالجزء المتعلق بتعزيز القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك التجنيد وتدريب وتجهيز القوات، قد لا يجد طريقه بسهولة وقريباً الى التنفيذ في ظل التحولات الجديدة. ويمكن الاستعانة دوماً بدول صديقة على غرار قطر على سبيل المثال في بعض مجالات دعم الجيش ولكن ليس كل المجالات التي تتولاها الولايات المتحدة عادة. ولكن مراحل خطة هوكشتاين قد لا تسلك طريقها وفق المقرر بدليل أن الخطوات السابقة التي رافقت السعي الى تسهيل وصول الغاز من مصر والأردن للمساعدة في موضوع توفير الكهرباء في لبنان لم تنجح. وهناك من ضمن خطة هوكشتين المرحلة المتعلقة بتقديم حزمة اقتصادية مهمة للبنان وللجنوب خاصةً وتلك المتعلقة ببدء المفاوضات لإنهاء الخلاف بين لبنان وإسرائيل حول النقاط العالقة على الحدود البرية.