قرار إقفال سفاراتٍ وقنصليّاتٍ سُحِبَ من التداول

تفلفش وزارة الخارجيّة اللبنانيّة النماذج والترتيبات الممكن الاتّكال على نجاعتها للإبقاء على ديمومة الحضور اللبنانيّ الرسميّ في أنحاء الدول التي تناهى إليها الترحال الاغترابيّ. وبعدما توخّت إجراءات الخارجيّة تقليص النفقات مقترحةً إقفال بعض السفارات والقنصليّات اللبنانية في الخارج، بقي القرار قابعاً أدراج التأجيل ثمّ سحب من التداول وسط غياب الموافقة الحكوميّة على اتّخاذه.

وهناك توجّه لدى وزارة الخارجية للتراجع كليّاً عن إنهاء العمل في تلك الصروح إلّا إذا لم يستطع مجلس الوزراء إيجاد إيرادات إضافية للمساندة في التكاليف لاحقاً. وكان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب أوضح خلال زيارته إلى الرابطة المارونية إعادة النظر في إغلاق تلك البعثات. ماذا في تفاصيل التطوّرات التي جعلت الخارجية اللبنانية تبتعد عن طرح خفض عدد المراكز الديبلوماسية، رغم أنّه كان بمثابة مقترح أساسيّ في مشروع تقليل المصاريف التي شكّلت إرهاقاً ماديّاً للوزارة؟

ينصّ المقترح الذي كان أوعز وزير الخارجية في اتخاذه بداية على تعليق عمل 17 مقرّاً ديبلوماسيّاً وسط خفوت ماليّ عانته الدولة اللبنانية، قبل أن يحصر قراره لاحقاً في إقفال 6 بعثات فحسب، شمولاً في سفارات لبنان في الأوروغواي وتشيلي والباراغواي والإكوادور، سفارة لبنان في ماليزيا، والقنصلية اللبنانية في ريو دي جانيرو في البرازيل.

وانطلاقاً ممّا تقوله مصادر ديبلوماسية رسمية لـ"النهار"، إنّ "اقتراح وزارة الخارجية إغلاق بعض البعثات أتى في إطار تخفيف الإنفاق وسط العجز الماليّ، رغم أنّ العمل الديبلوماسيّ يقتضي البحث عن سبل تعزيز وجود السفارات اللبنانية في العالم لا إقفال بعضها، لكن لم يكن ثمّة حلول أمام الخارجية. وحصل أنّ مجلس الوزراء لم يأخذ قرار البتّ في ملفّ تقليص عدد البعثات، ذلك أنّ المقترح لم يلقَ موافقة حكومية مع انتظار وزارة الخارجية المقترحات الممكنة حكومياً سدّاً للعجز مع الترحيب بها".

في غضون ذلك، تعتبر وزارة الخارجية اللبنانية أنّ المسألة ليست في متناولها بعد اليوم بعدما قامت في المهمّات الممكنة ترشيداً للإنفاق الذي تراجع من 95 مليون دولار سنويّاً حتّى استقرّ على 70 مليون دولار حاليّاً. وفيما تقدّر إيرادات وزارة الخارجية بمبلغ 30 مليون دولار عن طريق استيفاء الرسوم بشكلٍ أساسيّ، فإنّ المبلغ المتبقّي يشكّل حاجة تعمل الخارجيّة على الحصول عليه عبر المساعدات خصوصاً من دون أن يكون في استطاعتها الخفض الإضافيّ للنفقات.

يختصر الهدف الأساسي الذي تطمح إليه الخارجية اللبنانية في مرحلة لاحقة في تمويل البعثات، مع اعتبارها أنّ البحث عن سبل الحلّ ليست مسألة مختّصة بها بمفردها في استثناء ما قامت به من خفض للنفقات حدّ التجفيف الكلّيّ. ولا تغفل أوساط وزارة الخارجية القول "إنّنا قمنا بأكثر ما يمكن عمله وصارت أوضاع الوزارة على درجة من التقشّف بعدما قلّصت إيجارات البيوت والمكاتب وأوقفت التوظيف واستعانت في المساعدات التي كانت حصلت عليها من الجاليات اللبنانية في الخارج. وها هي الوزارة تستمرّ في الحدّ الأدنى من الإمكانات.

ولا بدّ للحكومة اللبنانية مجتمعة أن تبحث عن حلّ تمويليّ لبعض البعثات التي لم توافق على إقفالها". والحال هذه، لا تزال وزارة الخارجية تدفع تكاليف السفارات التي كانت تتحضّر لإقفالها، لكن ماذا عن كيفية إنفاق المصاريف؟ وفق المعطيات، تلجأ وزارة الخارجية للأموال المتوفّرة لدى السفارات والقنصليات الأكثر قدرة مالياً على نطاق الدول التي توجد فيها الجاليات اللبنانية بكثرة، وخصوصاً البعثات الديبلوماسية في المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر والكويت لتمويل السفارات والقنصليات التي كانت تريد الخارجية إقفالها. وستبقي الخارجية على هذه الطريقة التمويلية حالياً لكنّها تلوّح في عدم قدرتها لوحدها تحمّل المصاريف إذا لم يبحث مجلس الوزراء عن حلّ جذريّ في مرحلة لاحقة.

توضح أجواء رئاسة الحكومة اللبنانية أنّ اقتراح إقفال بعض السفارات والقنصليات قد سحب من التداول، بينما تتمحور الحلول المعتمدة حالياً حول إيقاف التوظيف وعدم تعيين ديبلوماسيين بدلاً عن الذين يحالون منهم إلى التقاعد. ولن تنفق الدولة اللبنانيّة إضافات على الرواتب والأجور الخاصّة بالموظفين في هذه المرحلة، كما انتقلت البعثات الخارجية إلى مبانٍ أقلّ كلفة.

ومن ناحيتها، تقول أوساط رئاسة الحكومة لـ"النهار" إنّ "اللجوء لاستعمال أموال بعض السفارات والقنصليات هو بمثابة طلب إداريّ من الوزارة المختصّة لإرسال مبالغ ماليّة محدّدة من سفارة لديها قدراتها المادّية في اتّجاه سفارة تحتاج مساعدة في تكاليف نفقاتها. ويمكن اللجوء إلى حلّ إداريّ في الإطار بين وزارتي الخارجية والمالية". وبحسب معطياتها، "لن يحصل تقليص عدد السفارات والقنصليات وليست هناك حاجات هادفة لدعم أوضاع السفارات من النواحي المعيشية لأنّ أحوال البعثات الخارجية جيّدة ولا حاجة لإضافات على الرواتب، ولن تكون هناك درجات وظيفية إضافية للديبلوماسيين الخارجيين في المرحلة الحالية".

ولماذا قرّرت الحكومة الإبقاء على عمل السفارات والقنصليات التي كانت اقترحت الخارجيّة إقفالها؟ تستنتج أوساط رئاسة الحكومة أنّ "الحكومة اللبنانية اتّخذت قرار عدم الموافقة على تقليص البعثات لاعتبارات خاصّة في الإبقاء على وجود لبنان الرسميّ خصوصاً في الدول التي تشهد حضوراً اغترابيّاً. وهناك قدرة للإبقاء على عمل السفارات والقنصليات على تنوّعها ولا حاجة لإقفال بعضها".