قرار الحريري ومشهدية 14 شباط

لا يكفي جمهور تيار "المستقبل" ان يغير رئيسه سعد الحريري "اللوك" الخارجي الذي أطل به من على بوابة السرايا الكبيرة في اول نشاط سياسي له منذ ان علّق عمله السياسي قبل عامين، وإنْ كان ذلك "اللوك" يعبّر في جانب منه، عن تغيير يحرص الحريري على إبرازه، ليس في مظهره الخارجي فحسب، وانما ايضاً في جوهره ومضمونه الداخلي.

ليس المضمون السياسي هو المقصود او المستهدف، بما ان الحريري ليس في وارد التراجع او التنازل عن مواقفه ومعتقداته، وانما الخطاب السياسي، إذا وُجد، في هذه المرحلة بالذات، حيث التطورات الامنية والعسكرية في سباق مع الوقت، وحيث المشهد الداخلي يشهد كمّاً هائلاً من الخواء السياسي، في ظل الشلل والجمود المتحكّمين به، فيما الساحة السنّية تفتقد القيادة والمرجعية السياسية في ظل عجز عن ملء الفراغ رغم محاولات حثيثة قامت بها بعض الوجوه، من دون ان تنجح في مساعيها.

في الاستقبال الرسمي الذي اقامه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للحريري العائد للمشاركة في الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد والده، بُعد سياسي واضح اراد من خلاله ميقاتي اضفاء الحجم الذي يمثله بالنسبة اليه الحريري، رئيساً سابقاً للحكومة وزعيماً لطائفته. وهو تمنى امس امام زواره ان يعاود الحريري مزاولة العمل السياسي. فهل العودة الطويلة نسبياً والمتوقع ألّا تقل عن أسبوعين تؤشر إلى قرار بعودة تدريجية، أم ان التكهنات السائدة على هذا الصعيد سابقة لأوانها، ولا تعبّر عن حقيقة الوضع؟

بحسب الدوائر القريبة من زعيم "المستقبل"، لا يزال من المبكر الحكم على التوجهات التي يعتزم الحريري السير فيها. كل ما يهمّه اليوم وفي ذكرى استشهاد والده، ان يوجه رسالة شخصية إلى جمهوره وقواعده، يقول لهم فيها: سمعتكم وسمعت نداءكم، وأتعامل مع هذا النداء بجدية ومسؤولية. أما اي قرار في شأن العودة عن تعليق العمل السياسي، فلن يكون ابن ساعته، بل يحتاج إلى الاخذ بكل المعطيات المحيطة به، اي تلك التي دفعته إلى تعليق عمله السياسي والانكفاء، او تلك التي قد تفرض عليه العودة.

عاملان سيكون لهما حيز كبير على طريق اتخاذ القرار، اولهما يتصل بالمشهدية الشعبية لإحياء الذكرى التاسعة عشرة للرابع عشر من شباط اليوم، وما يمكن ان تحمله من رسالة داخلية وخارجية على السواء، لجهة ترجمة الشعارات المرفوعة والأقوال بالأفعال. والثاني يتعلق بمروحة الاتصالات واللقاءات التي سيجريها الحريري وتشمل سفراء وقيادات سياسية وفاعليات مختلفة. أسبوعان كفيلان بأن يبلورا امام الحريري الطريق، لكن الثابت والأكيد ان لا قرار على المدى القريب، بل تقييم شامل لكل المعطيات الداخلية والخارجية، ولا سيما تلك المتصلة بالموقف السعودي منه، وهو الرهان الأكبر او العامل المؤثر ليس في القرار الذي سيتخذه الحريري، وانما في القرار الذي قد تتخذه القيادة السعودية، وما إذا كان للمعطيات الداخلية اي تأثير فيه.

أما الكلام عن حركة خارجية يعتزم الحريري القيام بها ولا سيما في اتجاه موسكو، ففي رأي الدوائر القريبة منه ان الأمر لا يزال مبكراً، علماً ان معلومات ترددت اخيراً عن الدعم الروسي لعودة الحريري، معطوفاً على معلومات عن اعادة نظر سعودية لم ترقَ بعد إلى مستوى اتخاذ القرار النهائي او الحاسم حيال هذه العودة، وعلماً ايضا ان المملكة وطوال العامين الماضيين، لم تسعَ إلى ملء فراغ الحريري.

اذاً، الأولوية اليوم تكمن في لمّ شمل الصف السني اولاً وتثبيت استحالة شطب الحريري الابن من زعامة الطائفة، ولكن من دون اي وعود او آمال كبيرة يمكن التعويل عليها لعودة دائمة، لن تكون قريبة في اي حال.