المصدر: النهار
The official website of the Kataeb Party leader
السبت 19 حزيران 2021 14:19:30
أحدث تصريح وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، عقب اجتماع لجنة الأشغال والطاقة، ذعراً بين المواطنين بإشارته إلى احتمال رفع الدّعم بصورة نهائيّة عن المحروقات، ما يُحتّم على اللبنانيين التوجّه إلى خيار ثانٍ - بحسب قوله - ضمن خطّة رامية إلى مكافحة الاحتكار والتهريب، في ظلّ غياب سيادة الدولة ورقابتها.
في هذا الإطار، لا يسعنا سوى طرح التساؤلات التي تجول في أذهان اللبنانيين اليوم حول آليّة تأمين الشركات المستوردة للنفط مادّة المحروقات بالدولار وتسعيرها؟ وما التحدّيات التي ستفرضها الأسعار الجديدة أمام قطاع المواصلات في لبنان، حيث من المرتقب أن يصل سعر صفيحة البنزين إلى 200 ألف ليرة؟ وما موقف مالكي وسائل النقل البرّي من هذا الطرح؟ وما معيار التعرفة الخاصة بالباصات وسيّارات السرفيس؟
باختصار، لن يتحمّل المواطن أعباء رفع الدّعم دفعة واحدة بل ينبغي جعل ذلك على مراحل، كما لن يضطرّ إلى الدفع بالدولار لشراء مادتيّ البنزين والمازوت، لكنّه سيتحمّل الخسارة مع الحكومة والوزارات بسبب إفلاس المصرف وعدم اللجوء إلى حلول إبداعيّة، ما يجعل البطاقة التمويليّة أملنا الوحيد في تخطّي الأزمة بأقلّ خسائر ممكنة.
القرار اتُخذّ: الحلّ برفع الدعم...وإلّا!
في رأي مصدر مطلع، أنّ "المركزي" عاجز تماماً عن الدفع، لكنّه في مقابل ذلك "دخل إلى لبنان السنة الماضية نحو 7 مليارات دولار من المغتربين إلى ذويهم؛ وهذا رقم كبير بالنسبة للبنان"، مضيفاً أنّه "في حال قسّمنا هذا المبلغ على عدد العائلات المسجّلة والتي تبلغ قرابة الـ200 ألف، فهذا يعني أنّ كلّ أسرة تحصل على مبلغ 600 دولار كحدّ أدنى شهرياً ناهيك عن الرواتب وغيره، أيّ بعيداً عن الشعارات الشعبويّة التي اعتدنا عليها، فإن بإمكان المواطن العادي تحمّل نفقات بعض الأمور التي ستدعمها وزارة الطاقة بدورها أيضاً، ولكن ضمن حدود المعقول أقلّه لتجنّب العجز والخسارة".
وكشف المصدر المطلع "أنّ نحو 30 في المئة من المحروقات تُهرّب إلى سوريا، وما من حسيب أو رقيب"، موضحاً أنّ "الحكومة لن ترفع الدّعم دفعة واحدة بل سيكون الأمر تدريجياً في ظلّ وجود بطاقة تمويليّة للعائلات محدودة الدخل". وشدّد على أنّ "كلّ ما يُشاع حول البطاقة ليس إلّا استعراضات وهميّة بسبب انعدام الحسّ الوطنيّ ومحاولة تحميل الوزارة أعباء الأزمة الراهنة، مع العلم أنّ الأخيرة تعمل جهدها لحماية المواطن وتوفير المحروقات له".
تنقّل المواطن مهدّد... فما البديل؟
ويصل معدّل تملّك السيّارات نسبةً إلى عدد السكّان في لبنان إلى الـ307 في المئة، إذ كلّ أسرة على الأقلّ اليوم تمتلك سيّارةً أو اثنتين كحدّ أدنى، ما يجعل لبنان متصدّراً البلدان المحيطة بعدد السيّارات؛ فإذا رُفع الدّعم سيعجز بعض السائقين عن الدّفع، فهل تكون وسائل النقل البرّي هي الخيار الأنسب؟
في الواقع، لا يمتلك لبنان وسائل متطوّرة للنقل كما سائر البلدان، بالإضافة إلى عدم وجود قطار. إذن سيكون الضغط بشكل خاصّ على الباصات وسيّارات النقل العموميّة التي سترتفع التعرفات لديها تلقائياً عند ارتفاع أسعار المحروقات، ولن تبقى وسائل "نقل الفقير" (كما يُطلق عليها) بل ستُصبح وسيلة لمن استطاع إليها سبيلاً.
من جهة أخرى، لا يمكن توقّع تسعيرة النقل البرّي من الآن قبل إصدار تعميم وزارة الطاقة وتحديد آليات العمل، إلّا أنّها لن تكون أقلّ من 10 آلاف ليرة للراكب بالنسبة للسرفيس، وفق التوقّعات الأوليّة للمحلّلين، إذ إنّ السّائق يتكبّد مصاريف طائلة اليوم بسبب تدهور الليرة، وبخاصة في ما يتعلّق بالأعطال الميكانيكيّة.
البطاقة التمويليّة: حلّ دائم أم موقّت؟
بدوره، حسم غجر الجدل، وصرّح في مؤتمر صحافيّ، عقب اجتماع اللجنة أمس، بأنّ "الدعم سينتهي عاجلاً أم آجلاً، وعلى المقتدرين أن يدفعوا ثمن الموادّ بسعرها الحقيقي، أمّا غير المقتدرين، والذين هم بحاجة إلى دعم، والقطاعات الحيوية أو الأفراد، فإنّ البطاقة التمويلية تحلّ مشكلتهم".
والبطاقة التمويليّة عبارة عن مشروع قانون ينصّ على دفع مساعدات ماليّة شهرياً بالدولار الأميركي، ولمدّة سنة كاملة، بوساطة بطاقة تمويليّة ستُمنح لـ 750 ألف عائلة لبنانية، في حين ما تزال شروط الدفع والآليات التي ستُعتمد غير واضحة تماماً، إضافة إلى أنّ الحكومة لم تتحرّك حتّى الساعة نحو هذه العمليّة التي تستغرق وقتاً طويلاً من التحضير.
تشرح مصادر "النهار" أنّ "البطاقة التمويليّة لا تُعتبر حلاً جذرياً، إنّما هي "بنج اقتصادي" للمواطنين لفترة معيّنة، ريثما تتشكلّ حكومة – على الأقلّ - تستطيع النهوض ببلد مصرفه مفلس؛ وهذه حقيقة لم تعد تخفى على أحد، واليوم التوجّه إمّا لاعتماد البطاقة التمويليّة ووقف الدعم أو المساس بأموال المودعين، وهذا ما يرفضه حاكم المصرف رياض سلامة".
كذلك أكّدت المصادر أنّه ليس بإمكاننا الاعتماد على البطاقة لفترة طويلة، ولا بدّ من إيجاد حلول أخرى علّها تنقذ اقتصاد لبنان وتُعيد الثقة إلى المودعين.
الشركات المستوردة للنفط في الواجهة، والمواطن يترقّب مادة البنزين المهدّدة بالانقطاع، والمواطن اللبناني مهدّد بشراء المحروقات بالعملة الصعبة، فكيف ستتمكّن الشركات من استيراد النفط بالعملة الصعبة في الوقت الذي نفتقد فيه إلى "الفريش دولار"؟
تواصلت "النهار" مع رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض فقال: "نفضلّ رفع الدعم على الحال التي تسود اليوم، لأنّنا نواجه صعوبات مع مصرف لبنان لفتح الاعتمادات في حين أنّ عملنا يقتصر على الاستيراد حسب حاجة السوق الاستهلاكيّة".
ورأى فياض أنّ "الشركات تستورد وفقاً لاحتياجات السوق المحلّية؛ فإذا ارتفع الطلب على المحروقات سنستورد كميات أكثر"، لافتاً إلى أنّ "هذا الأمر لا يمكن تقييمه الآن، وعلينا انتظار قرار وزارة الطاقة للتصرّف استناداً إليه"، موضحاً أنّ "الشركات المستوردة توزّع يومياً نحو 10 ملايين ليتر بنزين لمحطات الوقود، وبالرّغم من هذه الكميّة الكبيرة لا نزال نعاني من طوابير سيّارات، ممّا يُشير إلى وجوب اتّخاذ إجراءات أكثر حزماً وإلّا الأسوأ في انتظارنا".
وأكّد فياض أنّ مخزون المحروقات المتوفرّ اليوم في لبنان "يكفي قُرابة 15 يومياً كحدّ أقصى"، ومن بعدها ندخل في نفق مظلم غير واضحة نهايته، لافتاً إلى أنّ "مشكلة المحروقات ليست بجديدة، فهي وليدة سنة كاملة، إلّا أنّنا اليوم نلمسها، إذْ إنّ المصرف بات عاجزاً عن الدفع في حين يجب معالجة الأزمة بأسرع وقت وبأيّ وسيلة قبل نفاد الكميات المتوفرّة".
إلى ذلك، أشار فياض إلى أنّ "مصرف لبنان غطّى ما يُقارب الـ4 مليارات دولار منذ سنة حتّى اليوم في إطار الدعم، وبات غير قادر حالياً على مواصلة هذا الأمر، ولن يمسّ بودائع الناس؛ فالحلّ إذاً في اعتماد طرق بديلة تُرضي الشركات المستوردة والمودعين، وتضمن حقوق المواطن في آنٍ واحد، كما أصحاب النقل البرّي، وهذا العمل يقع على عاتق الوزارة بشكل أساسيّ".
وردّاً على سؤال التسعيرات التي سوف تْعتمد، وما إذا كان فعلاً سعر صفيحة البنزين سيصل إلى الـ200 ألف ليرة، لفت فياض إلى أنّ "السعر قد يتجاوز المبلغ الذي صرّح عنه الوزير في حال ارتفع سعر صرف الدولار"، موضحاً أنّ "الوزارة في حال رُفع الدعم ستعتمد جدولين بشكل أسبوعيّ، واحد يرتبط بسعر النفط كالمعتاد، والآخر بالدولار؛ وهذا من الممكن أن يتغيّر مرتين في الأسبوع الواحد، وفقاً لتقلّب سعر الصرف"، مؤكّداً أنّ "هذه التحليلات غير ثابتة، ولا تزال ضمن إطار الفرضيّات بانتظار قرار الوزارة، وموضوع تسعير النفط يتطلّب دراسات دقيقة وحثيثة إلّا أنّ الأسعار ستكون حتماً مرتبطة بسعر صرف الدولار في السوق السوداء لأنّ عمليات الاستيراد والتسعير ستكون مبنيّة عليه بالدرجة الأولى".
من جهة أخرى، رأى فياض أنّه في حال تسلّمت القوى الأمنية توزيع المحروقات بهدف محاربة الاحتكار والتهريب، كما تُطالب بعض الجهات، فهذا "لن يُغيّر شيئاً من واقع التهريب والتخزين"، وستبقى الأولويّة تكمن في وضع حدّ جذريّ للمعابر كما لجشع بعض التجار.
بدوره، أثنى مصدر لـ"النهار" على حديث فياض من جهة رفع الدعم وتسلّم القوى الأمنية زمام التوزيع، مؤكّداً أنّها "لن تستطيع اللحاق بضبط كلّ المعابر في حين سعر صفيحة البنزين في الدول المجاورة أغلى بأضعاف من لبنان، فمن الطبيعي أنّ يستمرّ التهريب إذْ إنّ اللبناني وغير اللبناني مستفيدان من هذه الأزمة. ولكن في حال رفع الدعم ستنحصر هذه الأعمال، ولن يعود هناك داعٍ لتهريب المحروقات من لبنان إلى أيّ دولة أخرى، لأن أسعارنا ستُصبح كما تلك البلدان"، مؤكّداً أنّ "كمية التخزين في الشركات المستوردة مضبوطة من قبل وزارة الطاقة، إنّما التلاعب الحقيقي يحصل في محطات الوقود، ولا تستطيع الوزارة فعل شيء حيال هذا الأمر".
آليّات العمل بين الوعود والتطبيق
من جهته، أكّد عضو أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس في حديث لـ"النهار" أنّ "قرار رفع الدّعم غير واضح حتّى الآن، وهو ما يزال في مرحلة الدراسات والمشاورات"، مشيراً إلى "أنّه في حال اعتُمد فلا بدّ من وجود بديل في المقابل أقلّه كيّ يتمكّن المواطن من تأمين احتياجاته، نظراً إلى أهميّة هذه الموادّ في حياتنا اليوميّة".
كذلك أكّد البراكس أنّه إذا اعتُمِد حلّ الوزير غجر "فلن تُجبر المحطات المواطنَ على الدفع بالدولار، وفق ما يُتداول"، موضحاً أنّ "كلّ شيء حتّى الساعة رهن الاعتمادات التي من المتوقّع أنّ يفتحها مصرف لبنان لاستيراد المحروقات"، لافتاً إلى "أنّ هذه الخطوة ستُنعش السوق قليلاً"، إلّا أنّنا "متّجهون إلى مشكلة أكبر في حال رفض المصرف تغطية المصاريف".