المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الثلاثاء 19 آب 2025 08:32:27
بناءً على "تحقيقات حالية"، أصدر النائب العام المالي القاضي ماهر شعيتو قراراً كلف بموجبه الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، ومنهم مصرفيون، بإيداع مبالغ في مصارف لبنانية تساوي المبالغ التي قاموا بتحويلها إلى الخارج خلال الأزمة المصرفية والمالية التي مرت بها البلاد، وبذات نوع العملة، بهدف إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني، وذلك خلال مهلة شهرين، بإشراف النيابة العامة المالية ووفقاً للشروط التي تضعها.
ولكن القرار طرح تساؤلات عدة، تبدأ من التوقيت، ولا تنتهي بمدى قوة القضاء اللبناني وقدرته على تحقيق خرق جدي، في ملف الأموال "المهربة" قانوناً إلى الخارج.
فالقرار أتى مستنداً إلى "تحقيقات" لم يعلن عن تفاصيلها، بل أشار إليها كإسناد قانوني، عززت المبرر والدافع لإصداره. وفيما لم يتضح بعد مصير هذه الخطوة القضائية، رحّب المودعون بها، آملين أن تستعاد في أسرع وقت الأموال التي خرجت من مصارف لبنان إلى الخارج، عند بداية الأزمة، والتي تم تحويلها في وقت كانت فيه المصارف متوقفة عن الدفع لأصحاب الحقوق.
أسئلة في أهداف القرار؟
مصادر متابعة طرحت بعض الأسئلة في خلفيات وأهداف القرار أبرزها: هل تم تحويل الأموال الى الخارج خلافاً للقانون؟ وهل يمكن تبعاً لذلك أن يفرض القضاء اللبناني أحكامه على رجال أعمال ومصرفيين، "هربوا" بأموالهم إلى الخارج، وارتكبوا جنايات "أخلاقية"، لا يعاقب عليها القانون، في غياب أو "تغييب" متعمّد لقانون الكابيتال كونترول؟
وفيما يشمل القرار الأموال المحولة الى الخارج، لا يأتي على ذكر ألوف عمليات السحب الضخمة التي تمت نقداً، بعشرات ومئات الملايين من الدولارات لمصرفيين وسياسيين ورجال أعمال نافذين، وأيضاً لمواطنين، ذهبت جميعها إلى الحفظ في خزائن البيوت والشركات والمواقع المحميّة.
وفيما يحدد القرار "الأموال المحولة"، يسأل البعض عن مصير مئات ملايين الدولارات من أرباح أموال الدعم التي حُوّلت، والاحتفاظ بغالبيتها في الخارج؟
رسالة سياسية ونجاحها مرهون بـ3 عناصر
القرار، الذي وصفه البعض بالتاريخي والاستثنائي، هو برأي الباحث لدى كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) محمد فحيلي، ليس أكثر من رسالة سياسية بالشكل والمضمون.
فمن الناحية القانونية يتطلب تطبيق القرار وجود أساس قانوني صلب يفرض على الأشخاص إعادة الأموال المحولة للخارج، خصوصاً أن التحويلات قد تكون جرت ضمن أطر قانونية أو تعاقدية سليمة، حتى لو اعتبرت غير أخلاقية. وبرأيه فإن أي إجراء من هذا النوع قد يصطدم بمبدأ حرية التصرف بالأموال، وحماية الملكية الخاصة المكرسة في الدستور، ما لم يثبت أنها ناتجة عن جرائم (اختلاس، تبييض أموال، إساءة أمانة...)، فيما التنفيذ قد يتطلب أحكاماً قضائية فردية، وليس قراراً عاماً، لتفادي الطعن أمام مجلس شورى الدولة أو المحاكم المختصة.
ولكن بما أن القرار صدر، ألا يجب تنفيذه؟ يوضح فحيلي أن "القدرة على تنفيذه محدودة، ما لم يكن هناك تعاون من الدول التي أودعت فيها الأموال، وهذا يعني الدخول في مسار قضائي دولي طويل ومعقد، عدا عن أنه إن كانت الأموال تحولت إلى حسابات خارجية وجرى استخدامها أو استثمارها، فإعادة المبالغ نفسها بالدولار أو اليورو خلال شهرين أمر شبه مستحيل من الناحية الواقعية".
حتى لو تمكن جزء من هذه الأموال من العودة، فالمصرف اللبناني الذي ستودع فيه سيواجه عوائق عدة. فهذه الأموال وفق فحيلي ستصبح "ودائع جديدة" بالدولار الفريش، لكنها ستظل جزءاً من ميزانيات مثقلة بالخسائر، وتالياً لن تغيّر الواقع المصرفي جذرياً. والاهم أنه "إذا استخدمت هذه الخطوة لتعزيز السيولة وتحسين صورة القطاع المصرفي، فهي لن تكون مستدامة ما لم تترافق مع إعادة هيكلة شاملة للقطاع وحل فجوة الخسائر".
من هنا يرى فحيلي أن "القرار أقرب إلى رسالة سياسية تستهدف إيصال إشارات إلى الداخل والخارج بأن الدولة، أو على الأقل بعض أجهزتها القضائية، مستعدة لاتخاذ خطوات غير اعتيادية في مواجهة ممارسات مصرفية مثيرة للجدل، وإلى ضغط قضائي يضع المعنيين تحت المجهر ويفتح الباب أمام مساءلة طال انتظارها. لكنه، من منظور مالي واقتصادي، لا يرقى إلى مستوى الحل القابل للتنفيذ الفعلي، نظراً إلى تعقيد المسارات القانونية والعملية".
صحيح أن قرار القاضي شعيتو خطوة جريئة في الشكل، لكنها محفوفة بالعوائق في الجوهر. فبين نصوص دستورية تحمي الملكية الخاصة، وتعقيدات التعاون القضائي الدولي، والواقع الاقتصادي المثقل بالخسائر، يبدو أن أثر القرار سيكون رمزياً أكثر منه فعلياً. ومع ذلك، فإن رمزية الخطوة تكشف عن حاجة ملحة إلى مسار قضائي متماسك وإصلاحات مصرفية شاملة، حتى لا يبقى تحريك الملفات الكبرى مجرد ومضات إعلامية، بل يصبح جزءاً من مسار مستدام لاستعادة الثقة بالنظام المالي اللبناني.
أمام هذا الواقع، يختم فحيلي بالإشارة إلى أن نجاح هذه الخطوة مرهون بـ3 عناصر حاسمة:
– قوة الإطار القانوني، بمعنى أن يكون القرار مؤسّساً على نصوص صلبة تتيح ملاحقة الأموال المحوّلة وإلزام أصحابها بإعادتها، مع القدرة على الصمود أمام الطعون الدستورية والدعاوى المحلية.
– القدرة على التنفيذ عبر النظام القضائي المحلي والدولي، إذ يتطلب الأمر تعاوناً فعالاً مع السلطات القضائية والمالية في الدول التي أُودعت فيها الأموال، وهو تعاون غالباً ما يكون بطيئاً ومعقداً، وقد يواجه عراقيل سياسية وقانونية.
– تزامنه مع إصلاحات مصرفية واقتصادية أعمق، إذ إن عودة الأموال، إن حصلت، لن تغيّر مسار الأزمة إن لم تُدمج ضمن خطة شاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وردم فجوة الخسائر، واستعادة الثقة بالاقتصاد.