قرار ملتبس للحكومة: ضريبة شاملة سيدفعها المواطن

أصدرت وزارة الطاقة مساء أمس جدول تركيب أسعار المحروقات بزيادة 100 ألف ليرة على صفيحة البنزين و174 ألف ليرة على صفيحة المازوت. وجاءت الزيادة بناءً على قرار مجلس الوزراء الذي لم يكشف بوضوح أسباب هذه الزيادة ولم يراعِ انعكاساتها المباشرة على المواطنين، إذ إنّ رفع أسعار المحروقات يؤدي حتماً إلى رفع أسعار السلع والخدمات. بل إنّ إعلان القرار من خلال تلاوة وزير الإعلام بول مرقص مقررات الجلسة، جاء ملتبساً. فهل سيشهد السوق ارتفاعاً في الأسعار؟

إعادة أسعار المحروقات
فوجىء اللبنانيون برفع أسعار المحروقات بمعدّلات كبيرة قياساً للمعدّلات المعمول بها أسبوعياً، والتي تدور عادةً حول بضع آلاف من الليرات. لكن وفقاً لما تلاه وزير الإعلام بعد جلسة أمس، فقد قرَّرَ مجلس الوزراء "إعادة اسعار المحروقات إلى ما كانت عليه عند تشكيل الحكومة". وعليه، أصدرت وزارة الطاقة جدول تركيب أسعار المحروقات حاملاً تلك الزيادة الكبيرة.

في القراءة الظاهرة للقرار، يبدو أنّ الحكومة لم تقرّ أي زيادة على الأسعار. إذ كل ما فعلته هو إعادة الأسعار على ما كانت عليه قبل 8 شباط الماضي. لكن في المضمون "الناس ستدفع زيادة عمّا دفعته بالأمس. وذلك بحسب ما جاء في جدول تركيب الأسعار"، وفق ما أكّده عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، الذي أشار في حديث لـ"المدن"، إلى أنّ الجدول الذي كان سيصدر اليوم الجمعة "كان يفترض به أن يحافظ على الأسعار السابقة، أي تلك الصادرة في جدول يوم الثلاثاء 27 أيار، مع إمكانية اختلاف الأسعار بشكل طفيف".

واستغرب البراكس هذا التبرير لأنّ "أسعار المحروقات تتحدّد وفق عدّة أمور، أهمّها الأسعار العالمية للنفط، ولم تشهد تلك الأسعار تغييرات كبيرة تستدعي اتخاذ مجلس الوزراء قراراً كهذا. وبالتأكيد لا يمكن إعطاء تبرير يرتكز على إعادة الأسعار إلى ما كانت عليه في فترة معيّنة".

ضريبة أرباح وتمويل الزيادات للعسكريين
لم يكن التبرير الرسمي للقرار مقنعاً، وكذلك التبريرات التي انتشرت إعلامياً، ومنها أنّ مجلس الوزراء أراد فرض ضريبة على أرباح أصحاب المحطات. وكذلك التبرير المتعلّق بإيجاد تمويل للزيادات التي أقرَّت للعسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين. إذ إنّ المجلس وافق أمس على إعطاء "المنح المالية للعسكريين والتي تبلغ 14 مليون ليرة لمن هم في الخدمة، و12 مليون ليرة للمتقاعدين". وقال البراكس إنّه "بغضّ النظر عن التبريرات، فالمواطن سيدفع مباشرة قيمة الزيادة المقرّة في جدول تركيب الأسعار، وأصحاب المحطات ملزمون بالتسعير وفق الجدول". وأوضح البراكس أنّه "في حال كان هناك نية لفرض ضريبة على الأرباح، فمن المفترض أن تكون بصيغة أخرى، ولا دخل لجدول تركيب الأسعار بها".

من جهتهم، رفضَ العسكريون المتقاعدون الزيادة التي أقرَّت لهم ولزملائهم في الخدمة الفعلية، وبالتوازي، رفضوا زيادة أسعار المحروقات. لأنّ ما أقرَّ لهم، لا زال مجحفاً، أمّا الزيادة على أسعار المحروقات، فستطالهم وستمتص القدرة الشرائية لرواتبهم الحالية مع الزيادات المقرَّة. وأشار أمين سرّ الهيئة الوطنية للمتقاعدين العسكريين، عماد عواضة، إلى أنّ "الدولة تضعنا اليوم في مواجهة الناس من خلال تبرير رفع أسعار المحروقات بتأمين التمويل لزيادة الرواتب، وهو أمر مرفوض من قِبَلنا، أولاً لأنّ نسبة الزيادة المقرّة غير كافية، وكنّا قد طالبنا بزيادة لا تقلّ عن 20 مليون ليرة، على أن يليها زيادة راتبين أو ثلاث رواتب كل 3 أشهر، إلى حين وصول الرواتب إلى 50 بالمئة من قيمة رواتبنا التي كنا نقبضها حتّى العام 2019".

وأوضح عواضة في حديث لـ"المدن"، أنّ ما حصل من ربط بين زيادة أسعار المحروقات ورواتب العسكريين، هو "لعبة أرادوا بها إعطاءنا الزيادات ووضعنا بمواجهة مع الناس. لكن نحن نرفض هذا الأمر، وسنقوم بتصعيد تحرّكاتنا، وأبلغنا رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بأن التحركات المقبلة ستكون غير متوقّعة". ولفت عواضة النظر إلى أنّ "هناكَ أبواباً كثيرة لتحصيل المال منها، وفي مقدّمها الأملاك البحرية التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، كما هناك الضرائب على المستشفيات الخاصة، وهناك التحصيل من الجمارك وأمور أخرى غير الضرائب المباشرة التي يدفعها الناس".

ضريبة على كل شيء
أرادت الحكومة تأمين التمويل لتغطية طلب محق، لكنها تجاهلت حقيقة أنّ المحروقات تدخل في تحديد أسعار كل السلع والخدمات. وعلى سبيل المثال، أوّل ما يمكن التماسه هو ارتفاع فاتورة المولّدات الخاصة. وفي السياق، أكّدت مصادر من بين أصحاب المولّدات، في حديث لـ"المدن"، أنّ هذا القرار "سيؤدّي حكماً لارتفاع التعرفة التي تحدّدها وزارة الطاقة". وتجدر الإشارة إلى أنّ قرار الوزارة في هذا الشأن، ينصّ على أنّ "هذه التّعرفة مبنيّة على أساس سعر وسطي لصفيحة المازوت وكلفة توزيع الصفيحة من محطّة الوقود ولغاية المولّد". وعليه، فإن زيادة سعر الصفيحة بمعدّل 174 ألف ليرة، سيرفع تعرفة المولّدات".

ومن أبرز القطاعات التي ستتأثّر مباشرة بزيادة أسعار المحروقات، هو قطاع النقل. فأكّد رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس في حديث لـ"المدن"، أنّه بزيادة أسعار المحروقات "من المنطقي أن ترتفع تعرفة النقل". وأشار إلى أنّ الاتحادات ستعقد اجتماعاً يوم الأربعاء المقبل للتشاور واتخاذ القرار في هذا الشأن.

وأوضح طليس في بيان أنّه "فيما كانت حكومة الاصلاح والإنقاذ تبحث عن إيرادات لتصلح بها أمور الدولة ولتنقذ برسومها خزينتها، لم تجد أمامها إلا أبواب المواطنين وطبقة السائقين لتفرض عليهم رفع أسعار المحروقات ولتضيف على كاهلهم أعباء فوق أعبائهم الناتجة عن عدم تطبيق القانون وحماية القطاع من اللوحات العمومية المزورة والسيارات الخصوصية التي تسرح وتمرح بلا حسيب أو رقيب".

ولا يقتصر تأثّر قطاع النقل على نقل الركّاب، بل إنّ نقل السلع والبضائع يعتمد على أسعار المحروقات، وتالياً من المنتظر أن تشهد أسعار السلع ارتفاعاً في الأسواق، لا سيّما وأنّ التجّار ينتظرون أصغر الفرص لاستغلالها كحجج لرفع الأسعار. وقطاع الأفران أيضاً من القطاعات التي ستتأثّر مباشرة بزيادة أسعار المحروقات، ومن غير المستبعد أن نشهد مطالب برفع أسعار الخبز ومنتجاته.

تسرّعت الحكومة بقرارها، ولم تستفِض في شرحه وتحديد تفاصيله التي تمنع المستغِلّين من مراكمة الأرباح على حساب المواطنين الذين لا ينقصهم قرارات تستنزف ما تبقّى من قدرة شرائية لرواتبهم المتآكلة. فزيادة أسعار المحروقات هي بمثابة ضريبة على كل شيء، يدفع ثمنها المواطن.