المصدر: النهار
الكاتب: منال شعيا
السبت 16 آذار 2024 08:55:21
ليس في الافق ما يشير الى ان العلاقة بين وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية استقامت أو أنها ستعود الى طبيعتها، اذ عند كل مفصل أو عنصر جديد، يتظهّر مجددا عمق المشكلة بين الطرفين. فلا مسألة تعيين رئيس للاركان انتهت. ولا انتظام عمل رئيس الاركان الجديد يُعتبر طبيعيا، وقد أضيفت الى كل هذه الاشكاليات مسألة سفر قائد الجيش العماد جوزف عون من دون استئذان وزير الدفاع موريس سليم. اضافة الى مشكلة نتائج امتحانات الدخول الى الكلية الحربية.
إنه زمن المؤسسات التي تتآكل شيئا فشيئا.
على خط الحكومة، تؤكد مصادر رسمية لـ"النهار" ان "ما قامت به الحكومة بالنسبة الى تعيين رئيس للاركان هو امر دستوري، وهي تتعامل مع الواقع نظراً الى خطورته. فلو حلّ الشغور في منصب رئيس الاركان، لكان الوضع اخطر مما هو عليه اليوم"، غامزة من قناة ان وزير الدفاع هو من امتنع عن تقديم الاقتراحات.
للوزير سليم قراءة مختلفة، فهو لن يتعامل مع رئيس الاركان.
ولعل ابرز ما قاله: "ان تعيين رئيس للاركان غير دستوري، وغير قانوني. ولن اسمح بهذا التجاوز، وأصرّ على عدم الاعتراف به الى ان تستقيم الامور".
ترجمة كل ذلك تعني ان وزير الدفاع ليس في وارد التوقيع على مرسوم التعيين، وهو يخالف كل ما يقال بانه رفض تقديم اقتراحات لتعيين رئيس للاركان، قائلا: "بادرت أكثر من مرّة الى اقتراح تعيين رئيس للاركان، وابلغت رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل انتهاء ولايته، إلا انه بعد تحوّل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حكومة تصريف اعمال، ابلغت الاخير انه لا يحق لها التعيين".
من وجهة نظر وزير الدفاع، ان "لا خلفيات اساسية، انما ثمة تباين في القانون".
بين وجهتي النظر المتناقضتين، هل قرار التعيين لا يزال جامداً، ولا مفعول تطبيقيا له؟
بين الرسالة والسفر
معلوم ان قرار التعيين صدر عن مجلس الوزراء، في غياب الوزير المعني، لكنه لم يُرفق بالمرسوم اللازم، ولم يُذيَّل بتوقيع الوزير الاول المعني والاساسي، لاسيما ان المادة 54 من الدستور تشترط توقيع الوزير المختص على المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء، كما انه سبق لمجلس شورى الدولة ان اكد ان توقيع الوزراء اساسي. من هنا، كيف يمكن ان يتعامل وزير الدفاع مع قرار التعيين؟
باختصار، لا تعامل أصلاً مع التعيين، طالما ان القرار غير دستوري بنظره، وكأن لا قرار حكوميا صدر في هذا الشأن. واكبر دليل على ذلك، الرسالة التي وجهها سليم الى الوزارات والادارات المعنية تطلب عدم التعامل مع رئيس الاركان الجديد.
في المقابل، يبدو ان الامر محسوم عند قيادة الجيش. فوفق قانون الدفاع، ان رئيس الاركان ينوب عن قائد الجيش، في حال غيابه، واستنادا الى هذا المبدأ القانوني، عمد قائد الجيش، قبل ايام، الى السفر للمشاركة في أحد المؤتمرات، بعدما امتنع عن السفر في الفترة السابقة التي خلت فيها رئاسة الاركان، لعدم خلق اي فراغ محتمل. علما ان الرحلة كانت قصيرة جدا تجنبا لاي تطورات غير محسوبة.
وعلمت "النهار" ان رئيس الاركان الجديد يداوم طبيعيا في مكتبه، وإنْ كان حتى اللحظة، لم يصدر عنه اي قرار بعد.
أصلا، قائد الجيش موجود، وهو لم يأخذ اذناً من وزير الدفاع قبل سفره الاخير.
قيادة الجيش تمتنع عن التعليق، وتعتبر ان ليس هناك تخطٍ للاصول، وكأن "التجاذبات السياسية لا تعنيها".
وفي معلومات "النهار" ان سفر عون الاخير كان اكبر رسالة الى وزير الدفاع بأن رئيس الاركان المعيّن هو من ينوب عنه، وانه لن يستأذنه قبل السفر الى الخارج.
امام هذا الواقع، يبدو ان العلاقة بين المؤسسة العسكرية ووزارة الدفاع عادت الى التأزم من جديد، او انها لا تزال على تأزمها، كما لو ان التواصل منقطع تماما بين الطرفين.
أيّ مصير؟
كل هذه الاشكاليات تزيد من الغموض الذي يلفّ مصير رئيس الاركان الجديد. فالفوضى السياسية التي تعيشها البلاد، تضاف الى فوضى على صعيد التزام القانون واحكام الدستور. واذا كان وزير الدفاع لا يحق له قانونا الطعن بقرار التعيين، لأن الطعن يُفترض ان يقدَّم من ذي مصلحة قد لحق به ضرر، فان السؤال المشروع هو: هل لا يزال الطعن ممكنا بقرار التعيين؟ وهل يعتبر القرار نافذا وإنْ لم يصدر فيه مرسوم بعد؟
يوضح الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك الكثير من النقاط الجوهرية التي تتصل بالدستور وبقانون الدفاع نفسه. بالنسبة اليه، المعادلة الدستورية – القانونية اكثر من واضحة. يشرح لـ"النهار": "ان مجلس شورى الدولة لا ينظر طعناً إلا بالقرارات الصادرة عن الحكومة والتي لها قوة النفاذ، سندا الى المادة 105 من نظام شورى الدولة".
ويتدارك: "ان القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء بخصوص تعيين رئيس للاركان هو حتى تاريخه غير نافذ لأن تنفيذه مرتبط بصدور المرسوم، مما يفيد، واستنادا ايضا الى المادة 21 من قانون الدفاع، ان القرار المذكور، هو مبدئيا مُلزم، ولا يمكن الرجوع عنه إلا بقرار مقابل، لكنه في الوقت نفسه غير نافذ لكون المرسوم لم يصدر بعد. فالمادة 21 نفسها تنص على انه يعيَّن رئيس الاركان بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء".
ويؤكد: "لمّا كان من الثابت ان القرار حتى تاريخه غير نافذ، ولمّا كان من الثابت ايضا انه لا يمكن الطعن بقرار غير نافذ، مما يفيد حتى تاريخه، ان ليس هناك من امكان للطعن بهذا القرار، لا من قريب ولا من بعيد".
هكذا، لم تُسدل الستارة بعد عن رواية المؤسسة العسكرية ووزير الدفاع، ولا شك في انها ستتفاعل عند كل مفترق، رئاسيا كان أم دستوريا!
الكلية الحربية
اما الملف الاخر المستجد، فهو فتح الكلية الحربية امام المتقدمين الجدد الذين نجحوا في الاختبارات، ولم يتم فتح دورة لهم، في انتظار توقيع وزير الدفاع الذي امتنع عن الامر لملاحظات دونها على النتائج لم يتم الاخذ بها من القيادة. هذا الملف اثار جدلا واسعا في الايام الماضية، ما دفع قيادة الجيش الى اصدار بيان مفصل، لرفع المسؤولية عنها، ورمي الكرة مجددا في مرمى الوزير سليم.
ومما جاء في البيان:
بتاريخ 17 / 8 / 2023، وافق مجلس الوزراء على طلب قيادة الجيش تطويع وتعيين تلامذة ضباط في الأجهزة العسكرية والأمنية، وذلك بعد 4 سنوات من قرار وقف التطويع الذي استعاضت عنه المؤسسة العسكرية بتطويع تلامذة ضباط من العسكريين في الخدمة الفعلية لدورتين متتاليتين.
بتاريخ 6 / 9 / 2023، أرسلت قيادة الجيش طلبًا إلى وزارة الدفاع للقبول بتعميم إعلان حول تطويع تلامذة ضباط لصالح الجيش والقوى الأمنية من بين العسكريين (ذكور وإناث) والمدنيين (ذكور).
بتاريخ 12 / 9 / 2023، تسلّمت قيادة الجيش كتابًا من وزارة الدفاع موقّعًا من وزير الدفاع الوطني تعلن بموجبه موافقتها على تعميم الإعلان الذي نُشر على موقع الجيش الرسمي بتاريخ 14 / 9 /2023.
بتاريخ 2 / 11 / 2023، رفعت قيادة الجيش كتابًا إلى وزارة الدفاع، بعد موافقة المجلس العسكري، تضمّن لائحة اسمية بالمرشّحين المقبولين للاشتراك في مباراة الدخول إلى الكلّية الحربية استنادًا إلى جداول تصنيف المرشّحين في القوى.
بموجب القرار رقم 392 تاريخ 19 / 12 / 2023، وافق المجلس العسكري على اقتراح قائد الجيش القاضي بقبول الناجحين في مباراة الدخول إلى الكلّية الحربية بصفة تلميذ ضابط وعددهم 118.
بموجب الكتاب رقم 2961 تاريخ 2 / 2 / 2024، أرسلت قيادة الجيش كتابًا إلى وزارة الدفاع تضمّن لائحة اسمية بتعيين الناجحين في مباراة الدخول إلى الكلّية الحربية بصفة تلميذ ضابط، بناء على اقتراح قائد الجيش وبعد موافقة المجلس العسكري استنادًا إلى المادة 27 من قانون الدفاع الوطني رقم 102/83.
هذا في الوقائع والتواريخ، وبالنسبة للذين تقدّموا بطلبات ترشيح وخضعوا للامتحانات، تورد قيادة الجيش الوقائع الاتية:
-بلغ عدد المرشّحين المقبولين 2511 ضمن الشروط المحدّدة بما فيها التشديد على حيازة المرشّح معدّل 12/20 في امتحانات الشهادة الرسمية. خضعوا جميعًا وتباعًا لامتحانات نفسية وطبية ورياضية بدءًا من 2 / 10 / 2023. تأهّل منهم 773 للاختبار الخطّي والمثول أمام اللجنة، وبعد فرز نتائج المباراة والتصنيف استحق 118 منهم عن جدارة وكفاءة أن يصبحوا تلامذة ضباط.
-كان العدد المطلوب الذي أجازته الحكومة هو 173، إلا أنّ عدد الذين فازوا بالتصنيف ولم يحصلوا على أي علامة لاغية كان فقط 118، مع المحافظة على التوازن الطائفي (59 فئة أولى و59 فئة ثانية)، وقد وافق المجلس العسكري على النتيجة.
-لا شكّ في أنّ قيادة الجيش أخذت في الاعتبار التأخير في الموافقة على قبول التطويع، إضافة إلى الظروف العامة في الوطن ومعاناة اللبنانيين وضمنهم الطلاب ولا سيما خلال فترة انتشار جائحة كورونا، وانطبق ذلك على الاختبارات النفسية والرياضية فقط، أما سائر الاختبارات، وضمنها الخطّية، فراوحت بين الوسط والصعب، وبحسب مستوى الامتحانات الرسمية. وجاء نجاح الفائزين في المباراة والتصنيف عن جدارة وكفاءة. ولم تلجأ القيادة إلى خفض المعدّل لإكمال العدد، ولا يمكن فتح المجال أمام دورة إضافية لأنّ ذلك سيتطلّب قرارًا جديدًا من مجلس الوزراء ووقتًا إضافيًّا، وستكون النتيجة مماثلة أيضًا بالنسبة للعدد والنتيجة.
-عند الإعلان عن قبول طلبات الترشيح، تقدّم عدد من الطلاب بطلبات استرحام (بسبب السن) تمّ رفعها إلى وزارة الدفاع، لكنّها لم تُبَت.
-إن مصير 118 طالبًا فازوا بالتصنيف لا يزال مجهولًا وهم بحاجة لتوقيع وزير الدفاع الوطني للسماح لهم بالالتحاق بالكلّية الحربية، علمًا أن عددًا منهم مسجّل في جامعات خاصة ويعجز عن اتخاذ قرار حول مستقبله، كما أن هذا التأخير في الالتحاق يؤدّي إلى إقفال الكلّية الحربية، وله انعكاسات سلبية على هيكلية المؤسسة وهرميتها.
-بناء على ما سبق، تؤكّد قيادة الجيش أنه لا مجال للتشكيك في نتائج الكلية الحربية وأنّ اللجنة الفاحصة المؤلفة من ضبّاط أكفّاء اعتمدت أعلى معايير الشفافية والموضوعية والعدالة بما يحفظ حقّ الطلاب الذين فازوا بالمباراة بكفاءة وجدارة.