المصدر: Ermnews
الثلاثاء 17 حزيران 2025 19:00:07
مع دخول المواجهات بين إسرائيل وإيران يومها الخامس، تتلقى الأخيرة المزيد من الضربات القاسية من إسرائيل، وصلت إلى حد استهداف المقر الرئيس للتلفزيون الرسمي الإيراني، على مرأى العالم، وإصدار أوامر إخلاء لمئات آلاف الإيرانيين كما حصل من قبل مع فلسطينيي غزة وبيئة حزب الله في لبنان.
بالمقابل، هدد القادة الإيرانيون بتحويل تل أبيب وكل شبر من إسرائيل إلى دمار، مطالبين بالمثل؛ الإسرائيليين بالإخلاء، تمهيدا لهجوم صاروخي توقع العالم المتابع للحرب أن يكون قاتلا ومدمرا، فما الذي حصل؟
لم يأتِ الرد كما كان متوقعا، جاء هزيلا ومختلفا عما قبله، بضعة صواريخ سقطت في مساحات فارغة ومسيرات تم إسقاطها قبل وصولها إلى الهدف، ليبرز سؤال كبير: ماذا يجري في إيران؟ ولماذا لم تنطلق الصواريخ النوعية "الفرط صوتية" التي توعد القادة الإيرانيون بدك تل أبيب وحيفا بها؟ أين "خرمشهر" و"فتاح 2" و"عاشوراء" التي ستقلب المعادلة مع إسرائيل؟
لا جواب مؤكدا لما حصل، وإنما مجرد تسريبات وسيناريوهات بعضها يتحدث عن تدمير أو تعطيل إسرائيل لمعظم أنظمة الصواريخ، وآخر يتحدث عن اختراق لبنية الاتصالات في القيادة العسكرية الإيرانية، في سيناريو يعيد للأذهان ما حصل مع الجيش السوري قبيل انهياره المفاجئ والسريع قبل نحو سبعة أشهر، فهل يتكرر هذا السيناريو في إيران؟ أم أن إيران وجيشها و"حرسها" يختلفون عن سوريا وجيشها؟
غموض وتفسيرات
يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني علي حمادة أنه رغم الوعيد الإيراني، يوم أمس، والتهديد بأن الليلة الماضية ستكون ليلة عصيبة جدا، وبأنها ستكون الأعنف في تاريخ إسرائيل، إلا أن النتيجة كانت ليلة هادئة وغير دامية.
لكن إيران، أو الحرس الثوري الإيراني، نجحا، وفقا لحمادة، من خلال هذا التهديدات والنبرة العالية في إبقاء الضغط على السكان الإسرائيليين، وفي إبقاء مئات الآلاف في الملاجئ وملايين قرب الملاجئ.
يضيف حمادة، في تصريحات لـ"إرم نيوز": "من خلال ما حدث، يبدو أن القدرات الإيرانية أصبح استخدامها أصعب. قد يكون تفسير ذلك إما تضاؤل القدرات أو اقتصاد من جانب إيران في إطلاق الصواريخ، ربما لأن الحرب قد تطول، وبالتالي حاجة إيران لأن تقتصد في الصواريخ، وتزاوج ما بين القصف الصاروخي و"القصف المعنوي" أو التأثير على نفسية المواطنين والسكان، أو أن هناك شيئاً ما على صعيد إمكانية حدوث تطور على صعيد المفاوضات، ولا سيما أننا سمعنا خلال هذا الليل بأن هناك بوادر لقاء أمريكي - إيراني.
ويلفت إلى أن الإعداد أو التحضير للقاء أخير أو فاصل بين ستيفن ودكوف، المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، وعباس عرقجي، وزير الخارجية الإيراني، متواصل، وقد يكون هناك من أسدى نصيحة لإيران بعدم استهداف إسرائيل كما كانت تتوعد.
لكن هذا كله يبقى من باب التحليل، وفقا لحمادة، ذلك أن هناك احتمالات عدة، ولا أحد يعرف تماماً ما هو الواقع الحقيقي.
ويشير حمادة إلى أن إسرائيل تسيطر على أجواء طهران وأصبحت شيئاً فشيئاً تمتلك حرية الحركة في السماء الإيرانية، أقله في منطقة الغرب الإيراني وصولاً إلى العاصمة طهران، وشيئاً فشيئاً تتوسع قدرتها على التفوق في الأجواء الإيرانية.
إضعاف النظام
يقول المحلل اللبناني: "لا نعرف تماماً إذا كان القصد من هذه الحرب هو إسقاط النظام مباشرة أو التسبب بإسقاطه على دفعات، فهذه الضربات القاسية التي سُددت إلى النظام وإلى الركائز الأمنية والعسكرية والسلطوية للنظام تؤثر على معنويات المواطن الإيراني وتؤثر على معنويات السلطة بشكل عام".
ما يجري، وفقا لحمادة، هو إضعاف النظام، لكن هل جرى إضعافه بهدف إسقاطه، أم لإيصاله إلى طاولة المفاوضات لتقديم تنازلات كبيرة ومؤذية ومذلة؟
سيناريو آخر يطرحه الكاتب حمادة، ويصوغه على شكل تساؤل: هل هدف التصعيد هو الوصول إلى أن يحصل في لحظة ما تحول ما أو حادث ما يؤدي إلى تدخل أمريكي ويتم تدمير مفاعل فوردو؟ أو تدخل أمريكي من شأنه أن يزعزع أركان السلطة ويضعها في خطر شديد، وخصوصا أن هذا سيضعه أمام شعبه متسببا بكارثة، إضافة إلى أن مشروعه النووي الذي أنفق عليه مئات المليارات من الدولارات على مدى أربعة عقود قد انهار وتم تدميره، وذلك على حساب لقمة عيش المواطن ورفاهيته الاقتصادية، وبالتالي يمكن أن تحدث مضاعفات على الصعيد الداخلي، ولكن حتى الآن لا نزال أمام واقع متدرج، وفق ما يختم حمادة.
تهديد بنيوي
من جهته، يعتقد الكاتب والباحث السوري مالك الحافظ، بأنه لا يمكن استعجال المقارنة بين السياقين السوري والإيراني، رغم وجود بعض التقاطعات في مؤشرات الاحتقان الداخلي. مشيرا في تصريحات، لـ"إرم نيوز"، إلى أن "النظام الإيراني ما زال يحتفظ بقاعدة مؤسساتية أكثر تماسكاً من نظام الأسد في سنواته الأخيرة، ولا سيما من حيث التغلغل الأيديولوجي للمؤسسة الحاكمة داخل أجهزة الدولة والمجتمع، وعلى رأسها الحرس الثوري".
ويوضح الحافظ أنه "بعد عملية الأسد الصاعد، التي أودت بعدد من القادة البارزين، نحن أمام أخطر تحدٍّ أمني للنظام الإيراني منذ اغتيال قاسم سليماني. وهذه العملية قد لا تخلق بالضرورة مساراً يشبه السيناريو السوري من حيث الانهيار المتسارع، لكنها تشير بوضوح إلى خلخلة في البنية الأمنية العليا للنظام، وهو أمر قد يتحول مع الوقت إلى تهديد بنيوي إذا ترافق مع أزمة شرعية داخلية واحتجاجات اجتماعية واسعة النطاق.
خطاب تعبوي
أما عن ردّ إيران المحدود بعد عملية "الأسد الصاعد" وخاصة بعد قصف التلفزيون الحكومي، فهو يثير الكثير من الاستغراب، كما يقول الحافظ، خصوصاً أن التوقعات أو الادعاءات كانت تشير إلى رد مزلزل. لكن، يضيف، يجب التمييز بين الخطاب التعبوي والقرار الاستراتيجي، ذلك أن "طهران تمارس ردعاً تكتيكياً محسوباً يهدف إلى امتصاص الصدمة أولاً، ثم إعادة ترتيب الأولويات، في ظل شكوك واضحة حول وجود اختراقات أمنية متقدمة داخل شبكات الاتصالات والقيادة، سمحت لإسرائيل بتنفيذ الضربات بدقة جراحية".
ويوضح الحافظ أن "هناك معطيات شبه مؤكدة تفيد بأن الاستهدافات الأخيرة لم تكن عشوائية، بل ضربت "العقد العصبية" في منظومة الرد الصاروخي والقيادة الميدانية، وهذا ما يفسر التريث الإيراني، ليس من منطلق الضعف فقط، وإنما بفعل الذهول الاستراتيجي ومحاولة استيعاب حجم الاختراق".
مقدمة للتصدع؟
وفقا لما يقول الحافظ، فإنه "حتى اللحظة، لا مؤشرات موثقة على وجود انشقاقات أو حالات تمرّد علنية داخل الحرس الثوري، الذي يُعد النواة الأيديولوجية الصلبة للنظام. لكن العملية الأخيرة أعادت طرح سؤال مهم، حول إذا ما زال الحرس الثوري متماسكاً في بنيته الداخلية، أم أننا أمام بدايات تصدّع خفي".
وبالتالي؛ "من غير المرجّح أن نشهد حالياً انشقاقات على النمط السوري؛ لأسباب عقائدية ومصلحية، لكن تكرار الاستهدافات الدقيقة قد يفتح الباب أمام تشققات هادئة أو صراعات داخل أجنحة النظام نفسه، خصوصاً بين التيار الأمني المحافظ، والجناح السياسي الذي بات يدرك كلفة الاصطدام المباشر"، كما يقول الباحث والمحلل السياسي.
ويختم بالإشارة إلى أن "المؤسسة العسكرية الإيرانية قد تكون مقبلة على مرحلة إعادة تموضع داخلي، سواء على صعيد القيادات أو على مستوى العلاقة مع بقية مفاصل الدولة. فالانقسامات قد لا تكون مرئية بعد، لكنها على الأرجح بدأت تتشكل بصمت، تحت ضغط الضربات، والعزلة الإقليمية، والتصدع الداخلي"، بحسب الحافظ.