قصور العدل إلى الشلل التام: إضراب المساعدين القضائيين

أعلن المساعدون القضائيون عن قرارهم بتعليق عملهم داخل قصور العدل واللجوء إلى الاعتكاف والإضراب ابتداءً من يوم غد الخميس الأول من شباط، إلى حين تعزيز رواتبهم وتحسين معيشتهم.

"المحرك الفعّال"
وفي المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، فإن قرار التوقف عن العمل جاء بالإجماع، ولم يعترض أي مساعد قضائي على هذا القرار، وسيلتزم به حوالى 1200 مساعد قضائي. أي جميع المساعدين القضائيين في كل المحافظات.

وإن كانت قصور العدل بحاجة فعليّة إلى القضاة لتسيير العمل القضائي وإجراء المحاكمات وغيرها، فإنها بحاجة ملحّة إلى المساعدين القضائيين، الذين يصنفون بأنهم "المحرك الفعّال" لعمل الدوائر القضائية كافة من دون استثناء، لجهة تعدّد مسؤولياتهم. إذ يتوجب عليهم القيام بالعديد من المهام بشكل يوميّ؛ كتسجيل الدعاوى، ومساعدة قضاة التحقيق خلال المحاكمات وتنظيم جداول الجلسات وتلبية المراجعات الخاصة بالمحامين والمتقاضين، وتنفيذ خلاصات الأحكام، وإجراء التبليغات، وغيرها من المهام المتنوعة.

ومع تفاقم الأزمة المالية في لبنان، تأثر القطاع العام بشكل أساسي، وتقلصت رواتب الموظفين بشكل كبير، فحُرموا من حياة معيشية مستقرة. وهذا حال جميع المساعدين القضائيين، الذين انقلبت أحوالهم المادية منذ العام 2019، ولم تعد رواتبهم الشهرية تتجاوز 25 مليون ليرة، علمًا أن هذا الراتب يتضمن الزيادات التي أدخلت على الرواتب.

شلل تام
وفي حديث مع "المدن"، شرح أحد المساعدين القضائيين بأن رواتبهم الشهرية تتراوح بين 15 مليوناً (بما يوازي 168 دولاراً) و25 مليونًا (حوالى 280 دولاراً) كحدٍ أقصى. وهذا المبلغ لا يلبي احتياجاتهم أبدًا، خصوصًا أن العدد الأكبر من الموظفين بحاجة إلى مبالغ مالية شهرية لتأمين التعليم والطبابة لعائلاتهم وغيرها من الاحتياجات الضروريّة.

وبالرغم من أن هذه المطالب هي عناوين مُحقة، وجزء لا يتجزأ من معاناة العدد الأكبر من الشعب اللبناني، إلا أن هذه الخطوة تُنذر بشلل تام للعمل القضائي داخل قصور العدل ابتداءً من يوم غد الخميس، ولن يتمكن أي مواطن لبناني من تسجيل أو تأسيس دعوى، أو تقديم شكوى قضائية. ولن يتمكن أي أحد من تقديم استحضار، أو استدعاء، أو لائحة، أو حتى مذكرة، ولن تعقد جلسات قضاة التحقيق وستتوقف المحاكمات وكذلك تلك المتعلقة بالموقوفين. ما يعني أن اعتكافهم سيؤدي إلى شلل تام في قصور العدل وسيُعلّق العمل القضائي إلى مرحلة غير معروفة.

والمساعدون القضائيون قرروا يوم أمس الثلاثاء حسم قرارهم، وصوتوا على قرار الاعتكاف في المجموعات الخاصة بهم على تطبيق "واتس اب"، وتمنّوا على بعضهم البعض الإلتزام بالاعتكاف، كورقة ضاغطة لتحسين الرواتب والحصول على كامل حقوقهم.

ووفقًا لمصادر "المدن"، فقد اجتمعت اللجنة الخاصة بالمساعدين القضائيين بوزير العدل، القاضي هنري الخوري، اليوم الأربعاء 31 كانون الثاني، للتباحث والتشاور في قرارهم الأخير. وحسب معلومات "المدن"، فقد شرح الخوري التأخر في إقرار بنود زيادة الرواتب للقطاع العام، وأظهر تفهمه لمطالبهم ولحقهم في معيشة كريمة.

ومطالب المساعد القضائي تندرج في إطار المطالبة براتب لائق ليكفي جميع مستلزماته الشهرية. فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار المرافق العامة والمؤسسات الرسمية من جهة، وإقرار الموازنة المليئة بالضرائب المرتفعة من جهة أخرى، أدخل موظف القطاع العام عنوةً في دوامة لا متناهية من القلق والخوف على مصيره في هذا البلد.

وواقع الحال، فإن مشهد الإعلان عن اعتكاف الموظفين، أيقظ في ذاكرة أهل القضاء والقانون والمواطنين، مشهد الاعتكاف القضائي الأطول في لبنان العام 2022، الذي استمر لأكثر من 5 أشهر متواصلة، حين تمنّع القضاة عن متابعة أعمالهم حتى تحسين رواتبهم. فهل ستُصاب قصور العدل بالشلل مرةً أخرى؟