قضيّة التلاعب بصلاحية الفيتامينات تتوالى فصولاً

ضجّ قطاع الدواء خلال نهاية الأسبوع الماضي بفضيحة تزوير تاريخ صلاحية فيتامين Fresh multi plus و Fresh zinc الأساسيين لنموّ الأطفال. وجاء ذلك بعد قرار صادر عن القاضية المنفردة الجزائية في بعبدا الناظرة في قضايا الأحداث في جبل لبنان جويل أبو حيدر، يقضي بمنع بيع الفيتامينين اللذين يتناولهما حديثو الولادة في الصيدليات، بسبب التلاعب في تاريخ الصلاحية وإحالة الملفّ الى النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان.

نقابة الصيادلة

هذه القضية التي شغلت الرأي العام، استدعت من نقابة الصيادلة التحرّك فأرسلت كما أوضح نقيب الصيادلة في لبنان جو سلّوم خلال حديثه الى «نداء الوطن» مفتشين الى مستودع الشركة التي تستورد مثل تلك الفيتامينات وأجريت التحقيقات. وتمّ التعميم على كل الصيادلة في لبنان، مع أن الحكم صدر فقط في جبل لبنان، بالامتناع عن بيع هذا المستحضر ووضعه جانباً بانتظار وزارة الصحة المنوط بها مسألة تسجيل وسحب الدواء من الأسواق.

ولكن مسألة تسجيل وسحب الدواء منوطة بمهام وزارة الصحة الوصيّة على القطاع الصحّي في البلاد، علماً أن التاريخ المدوّن على علبة الكرتون الخارجية للدواء تختلف عن التاريخ المدوّن على علبة البلاستيك الداخلية والذي لا يمكن تغييره.

ماذا فعلت وزارة الصحة؟

أوضحت مديرة الوقاية الصحية في وزارة الصحة جويس حدّاد لـ»نداء الوطن» أن وزارة الصحّة تحرّكت على الفور وأصدرت يوم الخميس الماضي قراراً بسحب متمّمين غذائيين من الأسواق اللبنانية ومنع تداولهما حرصاً على السلامة العامة وهما Fresh Multi plus وFresh Zinc المصنوعان في كندا. وعلى الفور، بدأ التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة القيام بدوره حالياً بتفتيش الصيدليات والبحث ليس عن هذين المنتجين فقط بل عن كل المنتجات المنتهية الصلاحية. وتمّ تبليغ القرار الى كل المعنيين من منظمة الصحة العالمية، وزارة المالية والاقتصاد، والمديرية العامة للصحّة ونقابة الصيادلة والتفتيش الصيدلي... ومن المفترض أن تتكشّف الأمور الأسبوع المقبل.

كما قرّرت وزارة الصحّة تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات عملية التزوير التي حصلت بالاستناد الى المستندات التي طلبتها من أصحاب الشأن واستدعاء كل جهة متورّطة في العملية، وتتألّف لجنة التحقيق من مديرية الوقاية الصحيّة في وزارة الصحة والتفتيش الصيدلي.

ولغاية الساعة وفقاً للمعلومات التي استقتها «نداء الوطن»، لم يتمّ إيجاد تلك الفيتامينات موضوع التحقيق في الصيدليات، وبعد انتهاء الجولة سيبنى على الشيء مقتضاه لاتخاذ الإجراءات اللازمة، علماً أن معلومات تردّدت قوامها أن أصحاب الشأن قد يكونون سحبوا ذلك المنتج من الصيدليات فور صدور القرار عن المحكمة.

التلاعب بتاريخ الصلاحية

وكان اعتبر وزير الإقتصاد والتجارة أن الغشّ والتلاعب بصحّة الأطفال وبتواريخ صلاحية الأدوية والـ»فيتامينات» الأساسية لنموّهم هو فضيحة الفضائح و»جريمة» يعاقب عليها القانون. ما يستدعي تحمّل وزارة الصحّة الوصيّة المباشرة على القطاع الصحّي في البلاد المسؤولية، فضلاً عن نقابة الصيادلة والقضاء، والمساءلة والمحاسبة لأن تقاذف الإتّهامات بين الصيادلة وأصحاب المستودعات والقيّمين على الشركات المستوردة لا ينفع.

ماذا يقول القانون؟

وحول العقوبة التي يفرضها القانون اللبناني على المتلاعب بتواريخ الأدوية وما إذا كانت تعتبر جريمة، أوضح رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي د. بول مرقص خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «تغيير تاريخ الأدوية بما يوحي أنها صالحة للاستهلاك بالغ الخطورة، من شأنه أن يؤذي صحة المواطنين بدرجات متفاوتة. يشكل هذا العمل جريمة تعاقب عليها القوانين اللبنانية لا سيما قانون العقوبات اللبناني، وهي جريمة الغش.

وأضاف: تختلف العقوبة التي فرضها قانون العقوبات باختلاف الفعل الجرمي المرتكب، والعقوبة على أنواع عدة مثل الحبس والغرامة المالية ووقف مزاولة مهنة الصيدلة. وتتراوح عقوبة الحبس في جريمة الغش في قانون العقوبات اللبناني من ثلاثة أشهر كحد أدنى الى سنتين كحد أقصى (مادة 607 الى 609) إذا كانت المواد المغشوشة ضارّة بصحة الإنسان. كما وبالغرامة. مع الإشارة إلى أن العقوبة تشدّد حسب الحالات، فإذا أدّى الغش في الأدوية الى وقوع حالة تسمّم أو وفاة فقد تصل العقوبة الى السجن المؤبد أو الإعدام.

في هذا السياق، شدّد المشرع العقوبة بنص خاص على من يزاول مهنة الصيدلة ويرتكب الغش ببيع أو توزيع أو استيراد مواد صيدلانية أو يقوم بأي عمل يتناول أدوية مزورة أو منتهية الصلاحية. فنصّ على أنه يعاقب بالسجن خمس سنوات على الأقل، وبالغرامة كما يمنع من ممارسة مهنة الصيدلة مدى الحياة (مادة 92 من القانون رقم 367 تاريخ 1/8/1994 مزاولة مهنة الصيدلة). كما أنه قد يوجد تضارب مع قانون حماية المستهلك (مادة 108) التي تعاقب من ستة أشهر الى سنتين وبالغرامة من تداول بسلع أو صنعها وعرضها في الأسواق أو وزعها أو روّج لها بأية وسيلة، وهو عالم أنها غير مطابقة للمراسيم التي تعطي صفة الإلزام القانوني للمواصفات الوطنية أو مع الشروط الجوهرية المنصوص عليها في قاعدة فنية».

واعتبر مرقص أن «وزارة الصحة هي من بين الوزارات التي يعود لها مكافحة الغش (كوزارة الاقتصاد والتجارة في مراقبة السلع والإشراف على حسن تطبيق قانون حماية المستهلك)، كل ضمن الصلاحيات المحدّدة في القانون. فبعد ضبط أدوية غير مرخّصة في الأسواق وأخرى مخالفة للشروط، إذ إنها تكون موزعة بين المستشفيات والمستوصفات والصيدليات، يمكنها إحالة القضية إلى القضاء المختص إثر ما تلحقه من ضرر بصحة المرضى».

روايات

ولحين تكشّف الحقيقة من التحقيقات التي تتواصل، تبقى الإشارة الى أن الروايات تتفاوت حول حقيقة تلك المتمّمات الغذائية المغشوشة للرضّع والتي قدّمت جمعية «كرامة» كما علمت «نداء الوطن» الشكوى بشأنها والتي صدر بناء عليها القرار عن القاضية المنفردة الجزائية في بعبدا، ومن بين تلك الروايات أن شركة «فريش فارما» هي التي تقوم باستيراد متمّمات غذائية وتبيعها في الأسواق اللبنانية وفي الأسواق العربية، وباعت هذين المتمّمين محوري القرار القضائي الى صيدلي في المتن في العام 2022 بهدف تصديرهما الى العراق وبتاريخ صلاحية يتعدّى الـ6 أشهر، إلّا أنه لم يفعل ذلك بل باعهما الى تجار الشنط الذين وزّعوهما على الصيدليات بعد تغيير صلاحية التاريخ.