المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الأحد 1 حزيران 2025 14:27:00
لم تمر قضية التحقيق مع الكاتب اللبناني وسام سعادة بصورةٍ سلسة، بالنظر إلى الأسلوب الذي تم فيه مداهمة منزله على حين غرّة، ومن ثمّ التحقيق معه في اليوم التالي للمداهمة. وذهبت مجموعة من الغاضبين لاعتبار أن ما حدث هو محض افتراء وانتهاك لحرية مواطن داخل منزله، ولحرية كل لبناني وجد نفسه بعد كل ما جرى وما لحق بهذا البلد المنكوب، متهمًا فجأة بالعمالة حينًا، أو مشتبهًا فيه حينًا آخر.
صلاحيات المحكمة العسكرية
بدايةً، بالعودة إلى العام 1959، في العام الذي تم فيه توسيع صلاحيات المحكمة العسكرية التي كانت تنظر في القضايا العسكرية التي ترتكب داخل المعسكرات والمؤسسات والثكنات العسكرية، بالإضافة إلى أنها كانت تختص فقط بالجرائم التي تمس مصلحة الجيش أو قوى الأمن الداخلي، لتصبح من صلاحيات المحكمة العسكرية بعدها النظر في جرائم الأسلحة والذخائر، والخيانة والعمالة.. ومنذ ذلك الوقت، لم تعد مهمة هذه المحكمة محاكمة أو متابعة ملف أي عسكريّ، بل امتدت للمواطنين المدنيين. وتاريخ المحكمة العسكرية لا يضعها بموقف المتهمة أو الملامة زوراً، لأنها في كثير من الأوقات وُصمت بالتوقيفات العشوائية، والمحاكمات التي لم تكن قانونية على قدر كافٍ. وطرح تاريخها الكثير من علامات الاستفهام حول السلوكيات المُتبعة، والذي ذكرت الكثير من اللبنانيين أحيانًا بحقبة الاحتلال السوري والأساليب البوليسية والقمعية التي كانت معتمدة.
اليوم، تتقاذف الجهات المعنية المسؤولية لما حصل من التباس مع سعادة. فتارةً تُلام الأجهزة الأمنية التي تعطي معلومات غير مؤكدة للقضاء، وطورًا يلام الجسم القضائي على اعطائه الإشارة للأجهزة الأمنية للتصرف. وبينهما، تتأرجح حقوق المواطنين وحرياتهم وكراماتهم، على إيقاع الصلاحيات المتأرجحة أساسًا، بين وزارات الدفاع والداخلية (التي تتبع لها الأجهزة الأمنية)، والعدل (التي يتبع لها القضاء اللبناني).
ولعل السؤال الأبرز الذي يطرح اليوم، من أين يبدأ الخلل؟ وكيف تعالج هذه الثغرات لنحقق العدالة ونحفاظ على حرية كل فرد في وقت واحد؟
قرار عقيقي
للتوضيح أكثر، فإن جهاز الأمن العام تواصل مع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، الذي أعطى الإشارة بمداهمة منزل سعادة ومصادرة هاتفه الخلوي وحاسوبه وجواز سفره، بناءً على المعلومات التي قدمها الأمن العام في البداية، ومن ثم استدعي في اليوم التالي إلى التحقيق لساعات، قبل أن يترك بسند إقامة. وقرار عقيقي بمداهمة المنزل قبل التحقيق مع سعادة، شكل استياءً داخل الجسم القضائي، وانقسمت الآراء القضائية أيضًا حول ما حصل.
في حديث خاص لـ"المدن" أوضح مرجع قضائي إلى أن الإشارة تُعطى بناءً للمعلومات الأولية التي يبرزها الجهاز الأمني أمام القاضي خلال اتصال هاتفيّ، وأعطيت إشارة المداهمة بعد أن شرح جهاز الأمن العام أن هناك شُبهة عمالة (واتصال مشبوه) في هذه القضية. لذلك، "كان الحل الأفضل للتأكد هو مصادرة هاتفه وحاسوبه عوضًا عن توقيفه فجأة". وحصل كل ذلك، بناءً للمعطيات الأولية التي قدمت للقضاء.
في المقابل، عبرت مراجع قضائية أخرى عن استيائها مما حصل، خصوصًا مع بداية العهد الجديد، وشرحت أنه كان الأجدى أن يُطلب سعادة إلى التحقيق للاستيضاح منه عوضًا عن مداهمة المنزل بشكل فُجائي.
حصر المحكمة العسكرية بالعسكريين
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، فإن ما حصل فتح بابًا واسعًا لإعادة النقاش حول مشروع قانون المحكمة العسكرية الموجود حاليًا في لجنة الإدارة والعدل، الذي يطالب بتحديد صلاحيات المحكمة العسكرية ومنعها من محاكمة المدنيين. وأكدت مصادر وزارية لـ"المدن" إلى أن النهج الذي كان يعتمد في السابق خلال التحقيق والمحاكمات انتهى، وأن الوزارات المعنية ستتعاون من أجل إجراء تشكيلات قضائية وأمنية شاملة تقضي بوضع كل شخص كفوء في المكان المناسب. معنى هذا الكلام، أن التشكيلات والتغييرات التي ستطرأ على الأجهزة الأمنية والجسم القضائي، ستساهم في الحد من كل التجاوزات التي كانت تحصل أحيانًا.
في السياق، وصف مرجع حقوقي لـ"المدن" مسألة مداهمة منزل سعادة بأنه انتهاك صارخ للحرية، لأن المداهمة الفجأئية هي استباحة لخصوصية الفرد، مشيرًا إلى وجود أزمة كبيرة في النيابات العامة، التي تطلب في كل مرة عند انتهاء التحقيق مع أي شخص أن يتعهد بإزالة منشور له. وهذا ما حصل في كثير من الملفات. مشدّدًا على أن مصادرة الحاسوب والجهاز الخلوي هو أمر خطير، فمن يضمن المحافظة على كل المعلومات الموجودة داخل الهواتف وعلى الصور الخاصة، وكيف يتم التصرف بالـDATA؟ ومن يضمن أن المعلومات التي تصل لأيدي الأجهزة الأمنية لا يتم استخدامها بطرق أخرى؟
ما الحل؟
الخطوة الاولى تبدأ بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية وتعديل شامل للقوانين اللبنانيّة لناحية فترة التوقيف وغيرها، إضافة إلى أنه على النيابات العامة تغيير آلية عملها المعتمدة، هذا عدا عن حاجة القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية إلى تشكيلات شاملة أو ما يسمى بـ"النفضة"، والأهم أن يتم تحديد صلاحيات المحكمة العسكرية، وإعادتها لمحاكمة العسكريين فقط.
وحسب مصدر قضائي لـ"المدن"، فإن الخطأ قد يقع أحيانًا، ولكن ليس المقصود المس بحرية الرأي والتعبير، فإن الإشارة القضائية هي نتيجة ما يُعطى للقاضي من معلومات، وبالتالي على الأجهزة الأمنية أن تكون على ثقة كاملة بالمعلومات قبل أن تطلب من القضاء أي إشارة، والأجهزة نفسها تطلب الإشارة استنادًا إلى معطيات أولية جمعتها، ورغبة منها بإجراء تحقيق أوسع. ورأى المصدر أن كل هذا الجدال يعيدنا لنقطة أساسية وهي ضرورة إعطاء القضاء استقلاليته عن السلطة السياسية، وتحريره منها، ففي بعض الملفات تتداخل الأجهزة الأمنية مع الجهات السياسية. ولم ينف المصدر إلى أن هذا الأمر يحصل أحيانًا كثيرة داخل القضاء اللبناني.
وعليه، هذا النقاش يدفع إلى ضرورة إعادة النظر في هيكلية الأجهزة الأمنية، لأن هذه الممارسات أعادت إلى الأذهان زمناً طغت فيه الأساليب البوليسية في التعامل مع حرية الرأي والتعبير، التي تعتبر حقاً أساسياً دستورياً يمنع المس به. وللبنان الرسمي تاريخ طويل في الانتهاكات التي تجعل من أي مواطن يرتاب من أي حادثة تحيط بعمل الأمن. فهل لبنان هو دولة أمنية بوليسية أم دولة القانون؟