قطار الفرص عَبرَ المحطة..."بلغنا نقطة اللاعودة والله يسترنا من اللي جايي"

الوقائع الداخلية والخارجية المرتبطة بالملف الرئاسي لا تشي من قريب او بعيد بما يؤشر إلى انفراجات وشيكة في أفق الازمة الرئاسية، ولا بما قد يجعل من الحراكات الجارية ذات جدوى تُبنى عليها ولو آمال ضعيفة، بإمكان تجاوزها حقل المطبات والعقبات والتعقيدات المنصوبة على طول الخط الرئاسي وعرضه.

وامام هذا الواقع، «لم يعدْ ثمّة ما يقال، بل ماذا ينفع الكلام بعد؟»، على حدّ تعبير مرجع سياسي، يبدو انّه سلّم بأنّ المسار الرئاسي قد بلغ نقطة الإنسداد الكلّي، ومفتاحه ابتلعه غول الإنقسام السياسي. وابلغ الى «الجمهورية» قوله: «لقد وصلنا الى ما كنت اخاف منه، ففي هذا الجوّ الرافض للحوار والتوافق، والهارب من الاستجابة لكل مساعي ومبادرات الانقاذ، من الغباء افتراض أنّ في الامكان انتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور، وحتى في المدى البعيد، وهذا يعني انّ إقامتنا في هذا الوضع المسدود ستطول الى أن يقضي الله امراً كان مفعولا». وذهب به تشاؤمه الى القول: «أشعر فعلاً أننا بلغنا نقطة اللاعودة، والله يسترنا من اللي جايي علينا».

هذه الصورة التشاؤمية، يرسمها المرجع السياسي بالتوازي مع المسعى القطري المستمر، والمُحاط بصمت مطبق على تحركات ولقاءات الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني، وتعطي إشارة غير مباشرة بأنّ هذا المسعى ما يزال عالقاً في دائرة التعقيد. وعلى ما تقول مصادر مطلعة على أجواء هذه التحركات واللقاءات لـ»الجمهورية» فإنّ حراك الموفد القطري حضر من الاساس في مهمة عنوانها الجوهري «إقناع الاطراف المعنية بالملف الرئاسي بالتنازل لمصلحة لبنان»، ولكنه من اللحظة الاولى التي انطلق فيها، دخل في ما يبدو انّه «صدام خيارات»، فالمسعى الذي يقوده يرمي الى استكمال ما مَهّد له الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، بالذهاب الى خيار رئاسي جديد من ضمن سلّة اسماء طرحها لا تضم إسمَي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والوزير السّابق جهاد أزعور، إلّا أنّه اصطدم بالخيارات الرئاسيّة المحسومة سلفاً من قبل الاطراف الداخلية، والتي جمّدت المسعى القطري خارج دائرة التفاعل الايجابي معه، وهو امر يرجح فرضية فشله».

وبحسب معلومات مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» فإنّ «المسعى القطري، وعلى الرّغم ممّا يقال إنّه منسق مع الاميركيين تحديدا، ولا يمانعه السعوديون، ولا يزعج الفرنسيين، لا يبدو انه يتمتع بقوة الدفع اللازمة التي تمكّنه من احداث الخرق المطلوب في الجدار الرئاسي، وهو وضع مُشابه للمبادرة الفرنسية، وكذلك للمهمة التي تصدّت لها اللجنة الخماسية، فكلاهما فشلتا في جَذب اللبنانيين الى حل رئاسي، وكانت النتيجة ان فشلت المبادرة الفرنسية وانكفأت الخماسية.

المسعى القطري وجد نفسه، امام مانعين اساسيين لسريانه في الهشيم الرئاسي، ولا يبدو انه قادر على تجاوزهما:

المانع الأوّل، هو التيار الوطني الحرّ، الذي كان السبّاق في حسم موقفه العدائي حيال ترشيح الوزير فرنجية وكذلك قائد الجيش العماد جوزف عون، وذهب رئيس التيار النائب جبران باسيل الى شَيطنتهما بالمعنى السياسي. وتبعاً لذلك ما زال يسوّق لخيار رئاسي جديد وفق مواصفاته وطروحاته وبرنامج عمله، وهذا الخيار يتناقض جذرياً مع الخيار الرئاسي الجديد للمسعى القطري الذي لم يعد سراً انّه محصور بالعماد جوزف عون.

أمّا المانع الثّاني، فهو ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» المتمسّكان بدعم ترشيح الوزير فرنجية، وقد اكدا في السرّ والعلن ولكلّ الزوّار والموفدين العرب والأجانب بأنّه لا يوجد لديهما ما يسمّى «PLAN – B». وخلافاً لكل ما يقال او يروّج من تفسيرات او تحليلات وفرضيات، فإنّ اوساط الطرفين تؤكد انّ فكرة التراجع عن هذا الدعم ليست مطروحة لديهما، بل لا مكان لها في قاموسهما. وبالتالي فإنّ «الثنائي» ليسا في وارد التراجع عن دعم ترشيح فرنجية، خصوصاً ان رئيس تيار المردة نفسه، وخلافا للترويجات التي دأبت بعض منصات التشويش على بثّها واشاعتها، مصمّم على خوض المعركة الرئاسية حتى نهاياتها، وفكرة ان ينسحب من ميدان الترشيح، قد يتمناها البعض، ولكنها ليست واردة لديه على الإطلاق».

في موازاة هذا الإنسداد، يبرز ما تؤكد عليه مصادر سياسية مسؤولة لـ»الجمهورية» لجهة أنّه بعدما حسمت المكونات الداخلية تَموضعاتها خارج مدار التلاقي والحوار والتوافق والتشارك في انضاج حل رئاسي، لم يعد امام هذا الحل سوى سبيلَين لا ثالث لهما، القاسم المشترك بينهما انّ كليهما ليسا في متناول اليد حالياً ويتطلبان فترة طويلة من الانتظار، ومعنى ذلك ان الوضع في لبنان سيبقى في حال اللامعلّق واللامطلّق لفترة غير محددة بسقف زمني. ويتجلى السبيل الاول بصدمة داخلية كنتيجة طبيعية لهذا الجوّ المشحون، من شأنها أن تخلق أمراً واقعاً جديداً يفرض على جميع الاطراف انتخاب رئيس للجمهورية. واما الثاني، فيتأتّى عبر حل رئاسي يُفرض من الخارج.

المصادر المسؤولة عينها تقلّل من احتمال الصدمة وتعتبره ضعيفاً حتى الآن، برغم ان ظروفها وممهداتها قائمة، ذلك انّ جميع من في الداخل يتهيّبون من آثارها التدميرية، وبذات الخانة تضع الاحتمال الثاني، وربما يكون اضعف، ليس لأن الخارج لا يستطيع ان يفرض مثل هذا الحل، بل لأنّ الآمر النّاهي في الخارج في الشأن المتعلق بالملف الرئاسي اللبناني لا يبدو انه يريد ذلك حالياً، ولا يساعد كما يجب على بلوغ هذا الحل. والدليل الصارخ على ذلك يتجلى في «اللجنة الخماسية» التي فشلت، أو بمعنى أدقّ فُشّلت، برغم أنّ الولايات المتحدة الاميركية تشكل عمودها الفقري والآمر الناهي فيها. وثمّة من ينسب الى الولايات المتحدة، وقد يكون مصيبا في ذلك، انها حتى الآن لا ترى ان الظروف باتت ناضجة لحسم الملف الرئاسي. فهذا الحسم يتحدّد أوانه بحسب التوقيت الاميركي الذي لم يحن بعد، ربما في انتظار ما قد يستجد على خط التسويات والملفات الاقليمية.

ما خلصت اليه المصادر المسؤولة، يتقاطَع مع قراءة متشائمة للملف الرئاسي، حيث ابلغ مصدر ديبلوماسي عربي الى «الجمهورية» قوله انّ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان لا يبدو انّه ممكن في جوّ لبناني لا يريد لهذا الإستحقاق ان ينجز.

وفي توصيفٍ شديد التشاؤم لمستقبل هذا البلد، قال المصدر الديبلوماسي العربي: قطار الفرص والعلاجات للازمة اللبنانية عَبرَ المحطة، وقد لا يعود من جديد. وتبعاً لذلك، وضع لبنان بات أشبه بحافلة بلا سائق وبلا فرامل يدفع بها اللبنانيون في طريق منحدر نحو مصير مشؤوم. وقد أوردت كلاماً بهذا المعنى امام أحد كبار المسؤولين اللبنانيين»، وقد وافقني على ذلك وشارَكني خوفي على مستقبل لبنان. وقال لي: لطالما قلت ان الخارج حريص على بلدنا اكثر من حرص اللبنانيين عليه، والآن اشاركك قولك انّ البعض في لبنان قد اصبحوا خبراء في هزيمة أنفسهم».

وعندما سئل المصدر الديبلوماسي عن المسعى القطري، قال: هذا المسعى جدي، كما كان حال سائر المبادرات التي سبقته، وكرة إنجاحه بيد اللبنانيين، ومع الاسف التجارب السابقة ليست مشجعة، ورغم ذلك آمل أن يبلغ هذا المسعى الغاية المرجوة منه، وان يستفيد اللبنانيون من كونه فرصة اعتقد انها الاخيرة لبلورة حل يطوي ازمة الرئاسة ويُفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية.