المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الاثنين 29 تموز 2024 07:15:03
لا يزال لبنان برغم نكبات الشغور و"المشاغلة" يحظى ببعض الثقة بغده، وبقدرته على اجتياز المسافة من القعر الاقتصادي والنقدي الذي وصل إليه، إلى حدود يمكن معها العودة إلى الدور والموقع الذي كانه طوال عقود.
وما العرض الذي قدّمته شركتا توتال وقطر إنيرجي، لبناء محطة إنتاج طاقة كهربائية على الطاقة الشمسية بقوة 100 ميغاواط، إلا مثال على أن لبنان لا يزال قادراً على النهوض، والشروع مجدداً في النموّ، شريطة تحرّك الدولة ومسؤوليها لاحتضان المبادرات الجدية، وتأمين ما يلزمها من أطر قانونية وإدارية تسمح لها بالولوج الى السوق اللبنانية، وبناء استثماراتها المفيدة للاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة.
من هنا تحرك وزير الطاقة وليد فيّاض، لتبنّي العرض القطري وتأمين الدعم اللازم له، رغبة منه في زيادة ساعات التغذية الكهربائية من جهة، ولفتح الأبواب القانونية والحكومية أمام القطريين من جهة أخرى. يأتي ذلك على الرغم من يقينه بأن أي مشروع أو اقتراح يتعلق بإنتاج الكهرباء، أو بناء معامل جديدة، أو حتى تطوير أو تجديد الموجود دونه عقبات بالجملة، تبدأ من شح الدولار في الخزينة، وضمور التمويل المحلي والخارجي، ولا تنتهي عند النكد والنكايات السياسية على تنوعها.
عقبات عدة تقف أمام تحقيق المشروع، حاول فياض جاهداً ابتداع أكثر من حل لها، بيد أنها كانت تصطدم من جانب بموقف العارضين المتمسكين بضرورة أن يكون الاستثمار تحت مظلة اتفاق أو عقد من دولة إلى دولة، ومن جانب آخر بعدم وجود قانون يرعى هذا العرض، وعدم قدرة المجلس النيابي على الانعقاد وإقرار قانون ذي صلة، بسبب الموانع السياسية المعروفة.
يحتاج لبنان بقوة إلى هذا المشروع، فهو إلى جانب المئة ميغاواط التي ستساعد قليلاً في دعم التغذية بالتيار، سيكون إنتاج هذه الكمية الكبيرة من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، باباً لدخول لبنان رسمياً وعملياً نادي البلدان المنتجة للطاقة المتجددة، وتمهيداً لدخول عارضين جدد قد يدفعهم نجاح المشروع إلى تبنّي مثيل له.
وفي التفاصيل، فقد عرضت منذ بضعة أشهر شركتا توتال وإنيرجي القطرية على لبنان بناء محطة إنتاج كهرباء على الطاقة الشمسية بقوة 100 ميغاواط، ولكن عقبة قانونية واجهت الموافقة على العرض، هي أن لا آلية قانونية لهذا الاستثمار ولا قانون سارياً يرعى ذلك، إذ لم تتشكّل بعد الهيئة الناظمة المخوّلة قانوناً حصرية منحهم التراخيص الملزمة.
وبناءً على ذلك، ومنعاً لإضاعة الفرصة، وبناءً على اقتراح وزير الطاقة وليد فياض، راسل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، شركتي توتال وقطر إنيرجي، عارضاً عليهما شراء واحدة من تسع رخص منحها سابقاً مجلس الوزراء للقطاع الخاص، تسمح كل منها بإنتاج 15 ميغاواط من الكهرباء عبر الطاقة المتجددة.
ومن خلال هذا الحل، يضمن ميقاتي لهما حق الإنتاج قانوناً، مع وعد بأن يصار الى تعديل الرخصة في مجلس الوزراء لتصبح 100 ميغاوط بدلاً من 15، وهو ما لا يحتاج الى تشريع في المجلس النيابي. ولكن الرد جاء سلبياً من توتال والقطريين، ورافضاً للدخول في مفاوضات مع القطاع الخاص الذي يملك رخصة الـ15 ميغاواط، بل أصرّت الشركتان على الاتفاق مباشرة مع الدولة اللبنانية عبر توقيع عقد بالتراضي لبناء معمل بقوة إنتاج 100 ميغاواط.
بيد أن المشكلة وفق ما يقول وزير الطاقة وليد فياض لـ"النهار" أن لا إطار قانونياً لحصولهم على رخصة جديدة، خصوصاً أن لا وجود للهيئة الناظمة التي منحها القانون 462 حق إعطاء التراخيص، بما يحتّم اللجوء الى مجلس النواب لتشريع الموضوع.
ومع إصرار تحالف (توتال وقطر إنيرجي) على عقد اتفاق بالتراضي مع الدولة اللبنانية، طرح الوزير تسهيلاً للحلّ ثلاثة خيارات:
الأول، توقيع عقد مدته 25 سنة على أساس (EPC + Finance) حيث يساعد الكونسورتيوم في هيكلة وترتيب التمويل للمشروع نيابة عن العميل (لبنان)، وذلك على غرار العقد الموقع مع "سيمنز" في مصر ودول أخرى مثل العراق، على أن تبقى ملكية المعمل لكهرباء لبنان لا لقطر إنيرجي وتوتال. ولكن الكونسورتيوم لم يحبّذ هذا الخيار لكونه يخطّط للانتقال الطاقوي، بحيث لا تعتمد أصول الشركة وأملاكها على النفط والغاز فقط، بل أيضاً على الكهرباء البديلة أو المتجددة.
ثاني الخيارات، محاولة الدولة إقناع أحد أصحاب التراخيص بالتنازل لها عن رخصته، على أن تقدّمها للتحالف، بما يجنّبهم التعامل مع القطاع الخاص، علماً بأن توتال سبق أن تواصلت مع أحد أصحاب الرخص، ولكن قطر إنيرجي رفضت المضيّ بالمشروع.
وآخر الخيارات، هو إعداد الحكومة مشروع قانون ورفعه الى مجلس النواب لإصدار قانون يمدّد لمجلس الوزراء صلاحية إعطاء تراخيص إنتاج وبيع الطاقة لفترة معينة.
وكان وزير الطاقة قد ردّ على العرض القطري الفرنسي في الخامس من شهر حزيران الماضي، مؤكداً الاهتمام بمقترح التحالف لإنشاء معمل لتوليد الطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط،
لافتاً الى أن السلطات اللبنانية قد قوّمت الإطار القانوني الذي يسمح بتنفيذ المشروع ضمن مهلة زمنية معقولة وفقاً للأفكار المقترحة في رسالة التحالف وتحديداً عبر اعتماد عقود الإنشاء، والتملك، والتشغيل (BOO) بين الحكومة اللبنانية والتحالف مع تأمين كافة الضمانات لعقد شراء الطاقة المنبثق عن هذه العقود.
وأجاب فياض على اقتراح التحالف توقيع عقود ثنائية بين الفريقين، بأنها "تحتاج الى إجراءات طويلة ومعقدة ليس أقلها الخضوع لقانون الشراء العام وتعقيداته، واستصدار قانون جديد في مجلس النواب وهي عملية غير مضمونة في الوقت الحالي نظراً للظروف غير المؤاتية للتشريع في لبنان".
واقترح في رسالته، توجيه التحالف نحو "حلّ بديل يتضمّن الاستحواذ على إحدى رخص توليد الطاقة الشمسية الممنوحة سابقاً من الحكومة بقدرة 15 ميغاواط لمدة 25 سنة مع زيادة قدرتها لاحقاً الى 100 ميغاواط بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء". وهذا الحلّ وفق ما قال "يتماشى مع متطلبات التحالف لناحية التغطية القانونية، وسرعة الاستجابة والتخصيص المحتمل للأراضي العامة ودعم الحكومة مجتمعة للمشروع".