المصدر: ألترا صوت
الكاتب: نادر حجاز
الخميس 25 أيلول 2025 17:07:36
لا تبشّر المعلومات التي تصل إلى بيروت، وتتداولها مراكز القرار والصالونات السياسية والغرف الإعلامية بالخير. فلبنان على ما يبدو مهدّد برفع وتيرة التصعيد العسكري مجددًا، وقد يكون أمام أشهر صعبة وسيناريوهات يرسمها الإسرائيلي لجبهة الجنوب.
في هذه الأثناء، تتواصل التهديدات الإسرائيلية، تارة بتصريحات وزراء حكومة بنيامين نتنياهو، وتارة بالتسريبات التي تنقلها وسائل الإعلام، التي نشرت في الأيام الماضية بأن "لا مهلة زمنية
محددة للبنان لكن إسرائيل لن تنتظر طويلًا".
وصحيح أن إسرائيل لم تتوقف منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عن الاعتداءات والانتهاكات للسيادة اللبنانية واستمرار الاغتيالات، إلا أن التهديد المبطّن المستجد يثير المخاوف من سيناريو أوسع قد تقدم عليه تل أبيب، بحجة أن حزب الله عاد إلى التسلّح.
الحزب يرمّم نفسه!
يبدو أن الدعاية الاسرائيلية انطلقت للتركيز على أن حزب الله لا يزال يشكّل خطرًا عسكريًا عليها، لتبرير أي حرب جديدة قد تشنّها على لبنان في الأسابيع المقبلة.
وفي كلام واضح يقول مصدر أمني إسرائيلي مطلع هذا الأسبوع أن "حزب الله يحاول إعادة ترميم نفسه ما يستدعي اليقظة، وإمكان القيام بعملية برية أوسع في لبنان قائمة إذا تطلّب الأمر"، مشيرًا إلى أن "إسرائيل ترى أن وضع حزب الله العسكري غير محسوم".
لم يقتصر الموقف على الإسرائيلي، فقد أعلن وزير الخارجية الألمانية أن "حزب الله لا يزال يمثل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل"، وكذلك فعل الموفد الاميركي توماس برّاك، الذي فجّر سلسلة تصريحات حملت رسائل خطيرة، مدعيًا أن مبلغ 60 مليون دولار تصل إلى حزب الله شهريًا من جهة مجهولة، لافتاً إلى أنّ "اللبنانيين يظنون أنّ الحزب لا يعيد بناء قوته، بينما هو في الواقع يعيدها". وتابع: "حزب الله يُعيد بناء قوته وعلى الحكومة أن تتحمّل المسؤولية. وحزب الله عدوّنا وإيران عدوّتنا ونحن بحاجة إلى قطع رؤوس هذه الأفاعي ومنع تمويلها".
تعيد إسرائيل بهذه السردية شيطنة حزب الله لتبرير أي عمل قد تقدم عليه، مع أنّ الحزب، وبغضّ النظر عن موقفه الرافض لخطة الحكومة لحصر السلام، لم يُقدِم على خرق اتفاق وقف إطلاق النار. كما أنّ ترسانته العسكرية جنوب الليطاني باتت شبه مفككة بالكامل، باعتراف من "اليونيفيل" والجيش اللبناني، بل ومن الجيش الإسرائيلي نفسه.
تناقضات برّاك
إلا أنّ ما يثير القلق أكثر هو حجم التناقضات في الموقف الأميركي، وتحديداً في مواقف السفير برّاك.
ففي بيروت يحيّي برّاك الحكومة والجيش، ويعتبر أنّ ما قام به مجلس الوزراء إنجاز، ليعود بعد أيام ويطلّ على اللبنانيين بسيل من التصريحات التي أثارت جدلاً واسعاً في لبنان، واعتُبرت بمثابة الضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل لضرب لبنان مجدداً.
وبرّاك، الذي أشاد بالحكومة، عاد واتّهمها بأنّ "كل ما يفعله لبنان بشأن الحزب يقتصر على الكلام من دون أي خطوات عملية"، معتبرًا أنّ "الوضع في لبنان صعب جداً"، ومهدّداً بالقول: "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يهتم بالحدود ولا بالخطوط الحمر، وسيذهب إلى أي مكان ويفعل أي شيء إذا شعر بأن إسرائيل مهدّدة".
ويواصل برّاك تناقضاته؛ فبعدما كان عرّاب معادلة "خطوة مقابل خطوة"، يعلن في الإطلالة الإعلامية نفسها أنّ "إسرائيل لديها خمس نقاط في جنوب لبنان ولن تنسحب منها".
أما الأخطر فكان حديثه عن الجيش اللبناني ورفض تزويده بأنواع معينة من الأسلحة ـ والمقصود هنا ما ترفض إسرائيل أن يمتلكه الجيش ـ، قبل أن يقلّل من قدراته قائلاً: "الجيش اللبناني منظّمة جيدة، لكنه ليس مجهزًا بشكل جيّد".
ماذا بقي من الأسلحة؟
علّق الخبير العسكري العميد المتقاعد نادي ملاعب، عبر "الترا صوت"، معتبرًا أن "الجهد الرئيسي لإسرائيل اليوم هو تطويق وإحاطة إيران لإخضاعها، فهي الوحيدة التي تصنع أسلحتها، ولديها اهتمام كبير بالتسلح وتتفوق في الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطيران، وقد أظهرت ذلك خلال حرب الأيام الـ12. بالتالي المطلوب اليوم إسرائيليًا هو محاصرة إيران وما تبقى لدى حزب الله من أسلحة حديثة، وقد قالها نتنياهو بشكل واضح: سنقضي على قدرات إيران وحزب الله".
ورأى ملاعب أنه "لا تزال هناك قدرات، وطبيعة لبنان الجبلية تختزن في جبالها أسلحة لم تُستخدم بعد، ومن الممكن، إذا أعيد تفعيل المحور، أن يعاود حزب الله عمله، ما قد يشكل خطرًا وتهديدًا لإسرائيل يومًا ما. فصاروخ واحد من اليمن يربك كل الطيران ويفتح الملاجئ ويكلف عسكريًا من حيث الطلعات الجوية والدفاع المدني والصاروخي".
وأشار إلى أن "هذا ما تسعى إليه اليوم الولايات المتحدة التي وعدت إسرائيل بإنهاء التهديد. لذلك لا أستبعد كلام توم براك، وهو ضمن استراتيجية أميركية كانت موجودة حتى قبل عهد الرئيس دونالد ترامب وتُطبق حاليًا. فبراك لم يتحدث خارج هذا الإطار عندما قال إن لبنان 'لا ينفذ إلا الكلام'".
وجه أورتاغوس الأمني
بالتزامن، لا بد من التوقف عند الزيارات المكوكية التي قامت بها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان خلال شهر أيلول/سبتمبر، والتي اقتصرت على الطابع الأمني فقط، مكتفيةً بحضور اجتماعات اللجنة المكلّفة بالإشراف على تطبيق آلية وقف إطلاق النار (الميكانيزم) في الناقورة، من دون عقد أي لقاءات مع مسؤولين لبنانيين.
ورأى العميد ملاعب أن "أورتاغوس تحرص على تنفيذ ما يضمن أمن إسرائيل، وهي موافقة على كل ما يفعله الإسرائيليون"، معتبرًا أنه كان لافتًا أن يأتي وزير الخارجية الأميركي إلى إسرائيل بالتزامن مع القمة العربية الإسلامية في الدوحة، لتجديد الدعم الأميركي لتل أبيب، واستتباع ذلك بتقديم 6 مليارات دولار للجيش الإسرائيلي، وافق عليها الكونغرس الأميركي، وتشمل 3200 عربة قتالية و180 طوافة، ما يعكس مدى الاهتمام الأميركي بأمن إسرائيل".
واستطرد قائلاً: "أورتاغوس تنفّذ ما تعهّدت به أميركا استراتيجيًا بحماية إسرائيل وإزالة أي تهديد يواجهها مستقبلًا، إلى جانب توسيع نفوذها على الأرض، لا سيما بعدما رفع نتنياهو شعار إسرائيل الكبرى".
مشكلة "الميكانيزم"
بالتزامن، شدّد العميد ملاعب على أن المشكلة الأساسية تكمن في "الميكانيزم" واتفاقية وقف إطلاق النار التي عُرضت على مجلس الوزراء اللبناني في عهد الرئيس نجيب ميقاتي، وقد أُخذ علمًا بها. وذكّر بأن ميقاتي نفسه قال إن "الآلية التي عُرضت علينا تختلف عن تلك التي اعتُمدت بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأضاف: "هذا ما نعاني منه حاليًا، إذ لا صدقية لدينا بماهية الآلية التي وافقت عليها الحكومة، فلا يوجد نص رسمي للاتفاقية سوى ما ورد في التصريحات. لذلك قد تكون الاتفاقية مجرد وقف لأي تهديد لإسرائيل، لأن أميركا ضمنت منذ زيارة الرئيس جو بايدن إلى القدس في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أمن إسرائيل، حين قال: لن نُبقي إسرائيل مستقبلًا تحت التهديد.
والمقصود بالتهديد هو المحور الذي أقامته إيران بأكمله، لا فقط في غزة المحاصرة، وهو المحور الذي فقد حضوره بعدما تلقّى ضربة قاصمة في سوريا ولبنان، وخسر فاعليته في العراق".
وختم ملاعب بالقول إن "من الواضح أن لبنان أمام مرحلة دقيقة، وإن عدم اتخاذ خطوات عملية أكبر على مستوى خطة الجيش لحصر السلاح سيضعه مجددًا في عين النار وأمام سيناريوهات خطيرة".