المصدر: الانباء
الاثنين 3 أيار 2021 16:35:39
المصائب لا تأتي فرادى.. كارثة بيئية جديدة تهدد الطبيعة كما والبشر. ليست المرة الأولى التي تَنفُق فيها الأسماك داخل بحيرة القرعون بسبب شدّة التلوث وغياب المساعي الحقيقية من قبل الوزارات المعنية للحد من هذا الخطر في البحيرة الأكبر في لبنان، إلّا أن حجم كميات الأسماك النافقة دفعةً واحدة والأخبار عن دخول هذه الأسماك إلى السوق أثار خوف اللبنانيين.
مدير عام مصلحة نهر الليطاني سامي علويه يروي في حديث مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية ما حصل. "فقد تمت ملاحظة مشكلة نفوق الأسماك في البحيرة في 22 نيسان المنصرم، ومذ ذلك الوقت، بدأت تتجمع أعداد من الأسماك النافقة عند حوض البحيرة بشكل بطيء، والتقدير الأولي لسبب موت هذه الأسماك كان النقص في الأوكسيجين بسبب التلوّث. إلّا أنه بعد إجراء الدراسات، تبيّن أن تركيز الأوكسيجين في البحيرة على عمق 5 أمتار بلغ 10 ملغ/ليتر، في حين بلغ 1.6 ملغ/ليتر على عمق 30 مترا، علماً أن الأسماك التي نفقت هي جميعها من نوع "الكارب"، أي أنها قادرة على العيش في ظروف سيئة جداً، حيث تبلغ نسبة الأوكسيجين 0.3 ملغ/ليتر، كما أن أنواع الأسماك الأخرى الموجودة في البحيرة، كالسمك "البني البلدي"، و"الأفينوس" و"الأنغورو" لا زالت على قيد الحياة وبحالة جيّدة".
يتابع علويه: "تم إجراء معاينة للأسماك النافقة، وتبيّن أنها تعاني من نزيف داخلي وتلف في الأعضاء الحيوية ووجود تقرحات حادة في الأعضاء الداخلية، وهي عوارض أحد الفيروسات التي يسببها التلوّث، وهو فيروس SDC. لكن التأكد من هوية الفيروس يستوجب القيام بفحص PCR مختص في مختبرات غير متوفرة في لبنان. إلا أن سبب النفوق محصور بالتلوّث وبمرض وبائي من المرجح أن يكون سببه الفيروس المذكور سلفاً".
وفي هذا السياق، كشفت مصادر بيئية مواكبة للملف عبر "الأنباء" أن "متطوعين أخذوا عينات من المياه لتحليلها في مختبرات خاصة بهدف إكتشاف سبب نفوق هذه الكميات الكبيرة من الأسماك فجأة ودفعةً واحدة، علماً أن التلوث عمره أكثر من 20 عاماً".
هذا في الأسباب، أما في المترتبات المحتملة، فينبّه علويه من "خطر حقيقي يهدد الثروة السمكية في لبنان كما والطبيعة بشكل عام، إذ وفي حال صحّت التقديرات، فإن فيروس SDC قابل للإنتقال إلى أنهار وبحيرات أخرى في لبنان، عبر العصافير مثلاً التي تتغذى من هذه الأسماك، وبالتالي الكارثة التي شهدناها عند حوض بحيرة القرعون قد تتكرر في مواقع أخرى، في وقت الدولة غير قادرة على إدارة الأزمة".
وللخروج من الأزمة، لفت علويه إلى سلسلة خطوات يجب المباشرة بها وفي أسرع وقت ممكن، "إذ يجب أولاً رفع الأسماك النافقة، ومن ثم إيجاد مكان لتجميعها، ليصار إلى رشّها بالكلس ونقلها إلى مراكز مخصصة للتسبيغ، لكننا في سباق مع الوقت والحرارة، لأن إرتفاع حرارة الجو وبقاء الأسماك عند الحوض سيؤدي إلى تحللها ما سيتسبب بتلوث بيولوجي، وفرز روائح بشعة جداً قد تؤدي إلى تهجير أهالي القرى المجاورة. أما على المدى البعيد، فيجب معالجة أزمة التلوّث التي يسببها الصرف الصحي، فوزارة الطاقة والمياه كما مجلس الإنماء والإعمار مسؤولتان عن معالجة الأمر، وبحوزتهما مبالغ تُقدّر بالـ1100 مليار ليرة، و55 مليون دولار، بالإضافة إلى عدد من القروض لإقامة معامل من أجل تكرير مياه الصرف الصحي، إلّا أن المؤسسات المعنية تهدر هذه الأموال".
وأضاف علويه: "راسلنا الوزارات المختصة لمساعدتنا بعملية التخلّص من الأسماك النافقة، لكن أي إجراء لم يتم إتخاذه حتى اليوم من قبلهم، والعمل يقتصر على موظفي مصلحة الليطاني وأعداد من المتطوعين القادمين من جمعيات بيئية وكشفية، وكان قد شارك الجيش في العملية بعد إتصال أجراه النائب وائل أبو فاعور. تم حتى اليوم سحب أكثر من مئة طن، لكن الكمية تقدّر بين الـ200 والـ300 طن".
إلّا أن الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعيطيطي لفت إلى ان إحتمالية التوجه إلى طمر الأسماك النافقة دون معالجتها، "ستؤدي إلى تحللها لتصبح مواداً خطرةً وسامةً وقاتلةً، علمأ أن أي دراسة لم تُجرَ حول طبيعة الأرض التي سيتم طمر الأسماك فيها، ما سيضاعف من حجم الكارثة".
وفي إتصال مع "الأنباء"، توقع زعيطيطي "طمر الأسماك في مكان معيّن قرب البحيرة، إلّا أن المساحات هناك عبارة عن جرفيات نهرية، وفي حال كانت أرضية هذه المواقع صخرية كلسية، فذلك يعني تسرّب عصارة الأسماك النافقة داخل شقوق الصخور والإنتقال إلى جوف الأرض، حيث المياه التي تتفجر في ما بعد كينابيع وأنهار، وعندها، يصبح أمامنا مصدران للتلوث، الأول هو نهر الليطاني، والثاني هو المطمر".
وعن الحل الذي كان من المفترض إتباعه، ذكر زعيطيطي إلى أنه "كان يجب إستشارة خبير هيدروجيولوجي لإيجاد المكان الأمثل، الذي يكون معزولاً تماماً ويمنع أي تسرب، لطمر هذه الأسماك".
أما في ما يتعلق ببيع الأسماك النافقة، فقد كشف علويه أن "عدداً من أبناء التابعية السورية يقوم بتجميع وبيع مئات الكيلوغرامات من هذه الأسماك إلى تجار لبنانيين لتصريفها في الأسواق، علماً أن قرارا تم إتخاذه في وقت سابق يمنع الصيد في البحيرة أو إستخدام الأسماك بهدف الإستهلاك. وفي هذا الصدد، تم توقيف 18 شخصاً للتحقيق معهم".
وبالفعل، وحسبما نقلت المصادر البيئية عن شهود عيان، فقد تم رصد كميات من الاسماك النافقة معدّة للبيع في أسواق في الشمال، على حد قولهم.
وختم علويه حديثه مشيراً إلى أنه "تم تسطير محضرين لدى النيابة العامة الإستئنافية، كما تم إرسال كتاب للنيابة العامة التمييزية، التي بدورها تحركت وأعطت توجيهاتها للأجهزة الأمنية لتسيير دوريات وضمان عدم بيع الأسماك النافقة في الأسواق، إلّا أن حجم الأزمة يستدعي تحركاً على صعيد رئاسة الجمهورية كما والحكومة والوزارات المعنية".
وفي وقت تجهد مختلف دول العالم للحفاظ على الثروات المائية، وتندلع نزاعات في ما بينها بهدف السيطرة على منابع هذه الثروات، كالنزاع على سد النهضة، أو بحيرة طبريا، تهدر الدولة اللبنانية مصدراً أساسياً للمياه بسبب تلوّث نهر الليطاني وبحيرة القرعون وغياب المعالجات الجذرية للمسببات.
لتلوث المياه أثار مميتة على الإنسان كما والحيوانات والزراعات. فالمصادر البيئية لفتت إلى أن التلوّث في البحيرة يتسبب باصابة عدد من موظفي مصلحة نهر الليطاني بالسرطان، كما كشفت "وجود مادة كبريت الهيدروجين في المياه والتي تؤدي إلى تفتت الحديد، وعملية تغيير للحنفيات تجري دورياً كل فترة قصيرة لهذا السبب، ناهيك عن النتائج المترتبة على الزراعات المروية من تلك المياه، والحيوانات التي تشرب منها".
وذكرت المصادر أن "800 مليون دولار تم إنفاقها في آخر 10 سنوات على أساس معالجة أزمة التلوث في البحيرة، و55 مليون دولار سيتم إنفاقها في الوقت القريب، دون الوصول إلى أي نتيجة ملموسة حتى اليوم".