المصدر: المدن
الكاتب: مايز عبيد
الخميس 9 تشرين الأول 2025 19:30:08
مع شروق شمس الخميس 9 تشرين الأول في طرابلس، امتزجت مشاعر الفرح بالقلق على وجوه العائلات السورية. أطفالٌ يحدّقون في الطريق بعينين تتطلعان إلى المستقبل، ونساءٌ يحملن حقائب صغيرة تحتوي آخر ما تبقّى من حياتهن في لبنان، ورجال يسترجعون ذكريات الغربة والابتعاد عن الوطن، بعد سنوات من التشتت والانتظار، حملت هذه الصباحات معهم وعدًا بالعودة إلى الديار، إلى الحياة التي اختُطفت منهم منذ بداية الأزمة في سوريا.
في مشهدٍ امتزجت فيه مشاعر الارتياح بالخوف، غادرت قرابة الـ 160 عائلة سورية نازحة من لبنان، إلى سوريا، ولا سيما مدينتي إدلب وحمص، بعدما مكثت سنوات في طرابلس. وأتت هذه الدفعة ضمن المرحلة الرابعة من "العودة الطوعية" التي تنظمها المديرية العامة للأمن العام بالتنسيق مع السلطات السورية.
ضمن خطة آنية
وشملت الدفعة الجديدة عائلات كانت تقيم في أحياء مختلفة من طرابلس وضواحيها منذ بداية الثورة السورية تقريبًا، ومن بين هذه العائلات من فقدوا بيوتهم بشكل كامل أو جزئي، ومنهم أطفال لا يعرفون عن سوريا شيئًا، إلا أن جميعهم يتّجهون نحو واقعٍ جديد ومصير غير واضح.
مع ساعات الفجر الأولى، شرعت سيارات وفانات وآليات "بيك اب"، بنقل هذه العائلات، والتي بدأت بالتوافد إلى معرض رشيد كرامي الدولي، وسط إجراءات أمنية مشددة، تولّى الأمن العام مسؤولية تأمينها. وتكفلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمة الهجرة الدولية IOM بالأمور اللوجستية والتنظيمية، لاسيما عمليات الصعود إلى الحافلات وتقديم الدعم للعائلات. وكانت الحافلات جاهزة في البهو الخارجي للمعرض لنقل العائلات إلى معبر العريضة الحدودي في عكار، ومن هناك الانتقال إلى الداخل السوري حيث سيستقرون بعد سنوات من التشتت والانتظار.
تأتي هذه مرحلة العودة اليوم من ضمن خطة آنية وُضعت، لإعادة قرابة الـ 2000 نازح سوري من طرابلس، بالتوازي مع خطة مشابهة لإعادة المئات من عكار أيضًا، أسوة بباقي المناطق اللبنانية، ليبلغ العدد المتوقّع بنهاية العام 2025 وبداية العام المقبل، 400 ألف نازح سوري بحسب ما كشفته المسؤولة الإعلامية في مفوضية شؤون اللاجئين ليز أبو خالد لـ"المدن".
حملت العائلات حقائب صغيرة وأكياسًا بلاستيكية تتضمن ما تبقّى من مقتنياتهم، فيما بدت على وجوههم ملامح تعب عميق ممزوج بالأمل بأن تكون هذه الرحلة بداية جديدة. بعضهم عبر عن خشيته من مواجهة واقع الحياة بعد العودة، بينما بدا الآخرون متحمسين لإعادة بناء حياتهم وعائلاتهم في ديارهم الأصلية.
عودة محمّلة بالأمل
النازح أحمد إبراهيم، العائد إلى إدلب، قال لـ"المدن": "نعود اليوم بعد سنوات قضيناها في لبنان، شعرنا فيها بالمعاملة الطيبة من إخوتنا اللبنانيين.. نعود محمّلين بالأمل. بيوتنا تهدّمت وسنسكن حالياً عند الأهل والإخوة، وسنسعى لإعادة تأسيس عمل جديد بعدما كنت أعمل مع أولادي في بيع الملابس."
أما الشاب لؤي الجاسم (15 سنة)، المولود في لبنان، فأوضح:"عشت سنواتي في لبنان وأحمل لهذا البلد وأهله الكثير من المحبة. كنا جميعًا بانتظار العودة إلى ديارنا، والآن تحقق الحلم. وكلنا أمل أن تكون أيامنا في سوريا أفضل".
عودة 300 ألف نازح
وأشارت أبو خالد، مسؤولة الإعلام في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، إلى أنّ العدد الرسمي للنازحين السوريين في لبنان الذي نتداوله مع السلطات اللبنانية الرسمية يبلغ حوالي مليون وثلاثمائة ألف. وقد عاد 300 ألف نازح إلى سوريا منذ بداية العام الحالي".
أضافت أبو خالد: "النازحون يعربون عن إرادتهم بالعودة، وهم بحاجة إلى دعم لإتمام ذلك. نحن نسعى في المفوضية لمتابعة أوضاعهم في لبنان وسوريا، وتقديم الدعم المادي، القانوني والصحي، بالتنسيق مع الأمن العام اللبناني الذي يسهّل عملية العودة على الحدود. حتى الذين يعودون بمبادرتهم، نقوم بإبلاغ فريقنا في سوريا لمتابعة أوضاعهم."
تجدر الإشارة إلى أن قوافل العودة وصلت إلى معبر العريضة الحدودي في عكار قرابة الساعة العاشرة صباحًا، وأن هذه الدفعة تعدّ جزءًا من جهود أكبر تهدف إلى عودة أكثر من مليون نازح سوري في لبنان، ضمن خطة تنسيق بين السلطات اللبنانية والسورية، مع التركيز على توفير الدعم اللوجستي والمادي للعائلات، وتسهيل إجراءات النقل وتأمين المستلزمات الأساسية لضمان انتقال آمن وكرامة للنازحين. وتميزت هذه المرحلة للعودة، بإعفاء النازحين من جميع الرسوم، وقد شكر النازحون العائدون السلطات اللبنانية على جهودها وحسن تعاملها معهم.