المصدر: النهار
الكاتب: سميح صعب
الاثنين 16 كانون الاول 2024 07:42:20
اللافت للانتباه في مهمة المبعوث الأممي غير بيدرسون في دمشق أمس، أنها أتت غداة اجتماع العقبة الذي شارك فيه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ووزراء عرب وأوروبيون وتركيا، للبحث في الوضع السوري عقب انهيار نظام بشار الأسد وتسلم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) الزمام في دمشق.
العنوان الأبرز في اجتماع العقبة كان التركيز على قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015 ويتضمن آلية لانتقال سلس للسلطة في سوريا. هذا القرار الذي بقي حبراً على ورق ولم يجد طريقه إلى التنفيذ وحلت مرجعية "منصة أستانا" التي ضمت روسيا وإيران وتركيا محله. التغيير الاستراتيجي الذي حصل في سوريا يعطي اليوم فرصة للعودة إلى القرار الأممي بصفته المرجعية الصالحة التي تنظم الانتقال السياسي.
وبناء على ذلك، اعتبرت زيارة بيدرسون لدمشق بعد مشاركته في اجتماع العقبة، محطة مهمة على طريق نقل أجواء الاجتماع إلى الحكام الجدد في سوريا. ومن بين الأمور الأساسية التي اتفق عليها اجتماع العقبة كان التشديد على ضرورة تشكيل حكومة "جامعة" لكل الأطياف السورية.
هل يحمل هذا التشديد انتقاداً ضمنياً إلى "هيئة تحرير الشام" التي شكلت حكومة انتقالية من أعضاء الهيئة دون سائر المكونات السورية الأخرى؟
ليس بخافٍ، أن من بين المجتمعين في العقبة من يتخوف من تفرد "هيئة تحرير الشام" بالحكم، بما ينعكس على الاستقرار في سوريا. ولذلك، أيد المجتمعون "تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري" تتيح الانتقال إلى "نظام سياسي يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة".
وأتى الاتصال المباشر الأول بين واشنطن والحكام الجدد، بمثابة انفتاح أميركي متبوع بمطالب أعلنها وزير الخارجية أنطوني بلينكن وبينها "وجوب احترام حقوق جميع السوريين، بمن فيهم الأقليات والنساء. ويجب تمكين المساعدات الإنسانية من الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجونها".
وعلى رغم أن بعض الأصوات في الولايات المتحدة بدأت تطالب برفع "هيئة تحرير الشام" عن لوائح الإرهاب، ما زال الحذر سمة السياسة الأميركية حيال التطورات السورية، خصوصاً أن تجربة الانفتاح الأميركي على حركة "طالبان" الأفغانية لم تؤت ثمارها عام 2021، إذ انفردت الحركة بالحكم وفرضت تطبيقاً صارماً للشريعة ومنعت الفتيات من التعلم.
لذلك، يعتبر القرار 2254 الذي يوفر الآلية المطلوبة التي لا تستثني أحداً من الأطراف السورية من المشاركة بالسلطة من طريق النص على انتخابات حرة ونزيهة، هو المعيار الذي قد يحكم به المجتمع الدولي على من يتولون عملية اتخاذ القرار في سوريا اليوم.
كما أن تنفيذ القرار هو الطريق لرفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا، التي من دون رفعها لن يكون في إمكان السوريين النهوض مجدداً وإعادة الإعمار، وتمهيد الطريق نحو عودة ملايين اللاجئين.
وفي الأيام الأخيرة، كان بيدرسون صريحاً في دعوة القادة الجدد في دمشق إلى تنفيذ عملية انتقالية "جامعة" لتجنّب "حرب أهلية جديدة" في سوريا.
وبناء على الواقع الجديد في سوريا، يمكن اعتبار أن تنفيذ القرار 2254، الاختبار الحقيقي للحكم الجديد. وفي إمكان تركيا التي تعتبر الأقرب إلى النظام الجديد أن تضطلع بدور فعال في ترتيب عملية الانتقال السياسي بالشكل الذي يرضي السوريين ولا يتسبب في إثارة حساسيات ومخاوف في دول الجوار أو تلك الأبعد.
وتبقى الولايات المتحدة التي تعد الرابح الاستراتيجي الأكبر من تبدل النظام في سوريا، هي من يملك أدوات الضغط على تركيا وعلى إسرائيل، كي لا تدفعا بسوريا إلى انفجار جديد.