قوةُ دفعٍ وزخمٌ لافتان

تبدو قوة الدفع Impetus في لبنان والمنطقة واضحة. ويبدو معها الزخم أي الـ Momentum إلى تصاعد. في ثلاثة أشهر تغيّر وجه الشرق الأوسط كثيراً. كأنّه خضع إلى عمليّات جراحيّة كُلّنا نُدرك أنّها غيّرت في شكل الوجه، لكنّنا حتّى الآن لا نعرف تماماً حجم التغيير في شكل هذا الوجه ولا كيف سيكون عليه بعد زوال آثار العمليّة الجراحيّة.

في يوميّاتنا اللبنانيّة نحن نراقب مسار انتخاب رئيسٍ جديد للجمهوريّة. كثيرون يعتقدون أنّ يوم 9 كانون الثاني سيكون لبنان على موعدٍ مع انتخاب الرئيس الرابع عشر للبنان. الأمر ما زال غير واضحٍ وغير نهائي. لكن الزخم موجود وقوّة الدّفغ حاضرة والنتيجة قد نصل إليها في أيّ وقت.

انتخاب الرئيس ليس هدفاً نهائيّاً بحدّ ذاته. تشكيل حكومةٍ غير حكومات الوحدة الوطنيّة الّتي لم يكن فيها وِحدة بقدر ما كان فيها تستير على كلّ الموبقات، تشكيل هكذا حكومة، على أهمّيته، ليس الأساس.

الأساس هو أمران متلازمان. الأمر الأوّل هو أنّ المنطقة متّجهة إلى مرحلةٍ جديدة. لا أُريد أن أُطلق عليها أيّ تسميةٍ. لا أرغب في تسميتها تطبيعاً ولا سلاماً ولا فك اشتباك ولا "ترتيبات" كما حصل في لبنان قبل أسابيع. التسمية غير مهمّة. المهم هو أنّ المنطقة دخَلَت مرحلةً ستخفّ فيها لهجة الحروب وسترتفع فيها حظوظ النموّ الاقتصادي. في هذه المرحلة ستُفتِّش الدول، كلّ الدول، عن فرصٍ للتعاون بدل البحث عن أسباب للتقاتل. في هذه الطريق هناك مطبّات وعوائق. أصحابُ هذا المنحى قرّروا، وبما لا يرقى إليه الشك، إزالة هذه العوائق أو دعوتها إلى "سهْمَدِة" الطريق بنفسها. وتبدو هذه المهمّة أقل صعوبة ممّا يظنّ كثيرون.

الأمر الثاني هو نوعيّة الحكم في لبنان. أعتقد أنّ زمن المحاصصات سيشهد تضييقاً كبيراً عليه. اللبنانيّون لن يوقفوا الفساد من دون ضغوط. الضعوط وصَلَت. كلّما أسرع اللبنانيّون باتّجاه رذل الفساد والفاسدين، والاقتناع أنّ مراحل الّلادولة إلى زوال، والتيقُّن أنّ زمن الأسماء الكبيرة قد ينتهي أسرع ممّا نظن إلّا إذا غيّر هؤلاء سلوكيّاتهم الوطنيّة وسُلّمَ قيَمِهم في الحكم، وعدم تغطية استعمال مؤسّسات الدولة لمصالح ضيّقة على حساب قيام الدولة، وأنّ أهمّية قيام هندسات ماليّة حقيقيّة لا تُشبه هندسات رياض سلامة والسياسيّين الّذين ورّطوه وورّطهم، كلّما أسرع اللبنانيّون بهذا الإتّجاه، باتّجاه القناعة أنّ لا خيار لنا كلبنانيّين إلّا خيار الدولة الّتي هي من الكلِّ وللكل، كلّما كان الخلاص أقرب والولادة أيسر والنجاة أقل كلفة.

هذا الشرق الأوسط ذاهبٌ إلى هناك. في هذا الـ "هناك" مساحاتٌ كبيرة لحرّية المعتقد والعمل السياسي والنمو الإقتصادي. سيكتشف الجميع أنّ لا مكان حرّاً وحقيقيّاً ودائماً ومُستداماً خارج إطار الدولة.