كأس لبنان وغزة وسوريا تقترب من شفتي... إيران!

لم تتعرض أي سفارة أو قنصلية في سوريا لأي اعتداء، سواء عندما سقطت حلب أو دمشق، بيد المعارضة السورية المسلحة، باستثناء تلك التابعة للجمهورية الإسلامية في إيران.

وهذا الاستثناء ليس تفصيلاً يمكن القفز فوقه بسرعة، بل هو تأكيد على أنّ بين الشعب السوري والنظام الإيراني "ما صنعه الحداد". وهذا "السيف" المسلول يسحب نفسه في اتجاه "حزب الله" في لبنان وكل من عمل مع أو لمصلحة "فيلق القدس".

وهذا الشعور العميق بالضغينة الخارجة من الدماء المسفوكة، تجاه حكام إيران، له انعكاسات استراتيجية، لأنّه يُنهي الكوريدور الشيعي الذي استثمر النظام الإيراني فيه طويلاً وكثيراً، بصفته منتجاً لمفعول جوهري: توفير مظلة واقية ضرورية للجمهورية الإسلامية في إيران!

وطالما برر حكام إيران لشعبهم الذي يعاني من ويلات نقص المال وتدهور الاقتصاد وتقهقر الخدمات، إنفاق ثروة هائلة على "محور المقاومة" بأنّه مسار وقائي لا بد منه، إذ إنّه يقيم عمقاً استراتيجيّاً لدولة آمنة استراتيجياً ومنتجة لمفاعيل مالية واقتصادية ضخمة لاحقاً. ولم يتوقف مسؤولوها عن ترداد قول منسوب للإمام علي بن أبي طالب: "إن الأمة التي تواجه عدوها داخل بيتها ستصبح ذليلة. فلا تسمحوا للعدو أن يصل إلى بيوتكم".

وعليه، هل دخلت الجمهورية الإسلامية "مرحلة الذل" وفق التوصيف الإيراني لوصول العدو إلى داخل بيتها؟

يحاول المرشد علي خامنئي أن يوحي بأنّ ذلك لن يحصل. يتجاوز أنّ سلاح الجو الإسرائيلي وصل إلى عقر الدار، من دون أن تتمكن بلاده من الرد، على الرغم من كل التهديدات، وأنّ الخطط الإسرائيلية الاستراتيجية تتركز حالياً على مهاجمة إيران للقضاء على نقاط قوتها المحورية، وهي تنتظر دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للبدء بتنفيذها، بغطاء أساسي من الجيش الأميركي.

ويقدم الخامنئي، في محاولة التخفيف من تداعيات ما يحصل في الشرق الأوسط، صورة خاطئة عن نتائج حرب إسرائيل على "حزب الله"، من خلال تسويقه لفكرة أنّ إسرائيل فشلت في هدف إخراج "حزب الله" من جنوب نهر الليطاني، في تجاهل غريب جداً لمعطيات اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التفاهم عليه بوساطة أميركية بين إسرائيل ولبنان.

وانضم الخامنئي في مسار التخفيف من آثار قطع معبره إلى لبنان وطرده من سوريا وإخراجه من كل خطوط التماس مع إسرائيل، إلى هؤلاء المهزومين الذين يحاولون إنكار واقعهم برفع قيمة "خلود الفكرة"!

في إطلالته الأخيرة يوم الأربعاء، ظهر الخامنئي، للمرة الأولى منذ وصوله إلى منصبه في إيران، في موقع الضعيف الذي يستقوي، وفي موقع المبرر الذي يبرئ نفسه، وفي موقع رافع المعنويات الذي يخشى انهيار قياداته!

وهذا يؤشر إلى أنّ المشاكل الكبرى التي كانت تعاني منها شعوب المنطقة، في سياق نزاعها الداخلي بين تنظيمات محور المقاومة من جهة وبين القوى الرافضة لذلك، قد انتقلت إلى إيران نفسها.

يسوّق الخامنئي لاستمرارية استراتيجية مواجهة الخارج بالتشدد، على اعتبار أنّ المقاومة مدعومة من "شباب غيور" سوف يقلب المعادلات في الشرق الأوسط ويسمح بعودة التوسع إلى "جبهة المقاومة"، في مقابل نمو تيار داخل إيران، عزّز خطابه بفعل انهيار حركة "حماس" وتنظيم "الجهاد الإسلامي" و"حزب الله" والنظام السوري، يعمل، بلا هوادة، على إحداث تغييرات كبرى في الاستراتيجية الإيرانية، بحيث يوقف مسار التشدد لمصلحة مسار الاعتدال في الداخل والانفتاح على الخارج.

ويخشى هؤلاء الذين يطالبون بالإقلاع عن مسار التشدد، من أن يؤدي "العناد الاستراتيجي" الذي يصر عليه خامنئي، إلى سقوط النظام، إن لم يكن بحرب خارجية باتت مقوماتها واضحة، فبثورة شعبية لها، للمرة الأولى ربما، إضافة إلى الأسباب الكثيرة داخلياً، دعم خارجي كبير تشارك فيه كل من تل أبيب وواشنطن.

قد تكون مشكلة إيران الأساسية تكمن في تجمّد عقلية خامنئي المتقدم بالسن، فليس مسألة سهلة أن يرى رجل بلغ عمره 84 سنة كل خططه وشعاراته تنهار أمام عينيه، ويُطلب منه أن يتكيّف مع معطيات جيو-سياسية جديدة. وليس سهلاً أيضاً على قادة الحرس الثوري الإيراني الذين أثروا على حساب جيشهم وشعبهم وشعوب المنطقة، أن يقبلوا بالتراجع الى مستوى المواطنين العاديين.

وما يجد الخامنئي صعوبة في استيعابه وما يدافع "الحرس الثوري الإيراني" عنه، سبق أن أوقع آخرين في مآسيه: "حزب الله" في لبنان، وبشار الأسد في سوريا!

إنّ أصحاب القرار في الجمهورية الإسلامية في إيران، في حال كانت كلماتهم المعلنة تعبر عن قناعاتهم الداخلية، فهذا يعني أنّ العام 2025 لن يتوقف عن إنجاز "الغرائب" التي حفل بها العام 2024!