كانون الثاني… كل هذا "التاريخ"!

تحفل تجارب لبنان الحرب والسلم والما بينهما بمئات التواريخ والمواعيد الفاصلة والحاملة بصمات الأحداث المتعاقبة عليه منذ خمسة عقود، لكن شهر كانون الثاني الحالي، مرشح لان يتصدر اللائحة. طبع اللبنانيون على انتظارات الوقت واستهلاك الزمن طويلا عند كل الازمات ذات الطابع الأمني او السياسي لان تركيبة لبنان الداخلية كما قدره الإقليمي فرضا قواعد صراعات يستحيل وضع حد سريع لها قبل بلوغ التأزم والحدة ومرات كثيرة انفجار الصراعات ذروة الذروات. وهو الامر الذي لم يتبدل في اخر موجات أزمات لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة متوجة بانفجار الحرب بين إسرائيل و"حزب الله"، الى ان بدأت معالم ذلك الانقشاع الكبير في كل المنطقة بعد انهيار النظام السوري بالتوازي والتزامن بين وقف الحرب في لبنان وانهيار نظام الأسد في سوريا.

ما شهده كانون الثاني اللبناني من احداث وتطورات متلاحقة يكاد يشكل في ذاته مفترقا انقلابيا في نمط تعامل اللبنانيين مع أقدارهم اذ جاء تعاقب الانفراجات الدستورية دفعة واحدة بعد توقف الحرب، مع انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة وعودة ضخ الحياة في حضور لبنان الخارجي بفعل تمزق شبه العزلة التي كان الواقع المهترئ للبنان يتخبط فيها. أحدثت ديناميكية الانفراج هذه مفهوما شموليا "خطيرا" من ناحية اسقاط اللبنانيين لإمكانات العرقلة او التريث او الاصطدام بعقبات لكون الانفراج حل صاعقاً مدوياً وسريعاً واثار مفهوماً "عجائبيا" لدى شعب أدمن اليأس المطلق. بذلك شكل كانون الثاني المشارف على نهايته شهراً استثنائيا لجهة اختصاره محطات الانفراجات ومن ثم بروز عقبات التنفيذ بسرعة، اذ فيما "احترقت بصلة" الجميع باستعجال ولادة حكومة نواف سلام "العجائبية" المنتظرة، اصابت الصدمة الجميع أيضا لدى تخلف إسرائيل عن التزام موعد الانسحاب من الجنوب في نهاية مهلة الستين يوما. وعلى رغم عدم الارتباط مبدئيا وواقعيا بين الاستحقاقين العالقين، فان مقاربة مسألة نفاد صبر اللبنانيين في شأن استكمال الاستحقاقات تدلل على معاناة تاريخيّة مديدة من واقع أزمات لا تعرف حدودا زمنية اخضعوا لها ان بايدي الطبقات السياسية المتعاقبة.

 في كل الأحوال لم تبدل محطات الفرملة الظرفية للانفراج اللبناني الكبير عوامل ديمومة الظروف الجديدة التي هبطت عليه والتي لا شيء يبعث على توقع اصطدامها بما ينسفها بعد الان. وحتى في موضوع اتفاق وقف النار لن تكون إسرائيل في فرملة انسحابها قادرة على التمديد طويلا لاحتلالها بعد ان تسقط ذرائع التمديد بيد الجيش اللبناني وتحت رعاية أميركية دولية . كما انه على المسار الداخلي يصعب جدا تصور أي تراجعات جدية في مسار استيلاد حكومة اختصاصيين إصلاحية بالقدر الأعلى المتبدل عن الواقع السابق لان السقوط في هذا المسار "ممنوع" بكل معايير مرحلة الأنفراج. ولذا ترانا نقف بـ"مهابة" امام كانون الثاني المشارف نهايته لكونه نذير تاريخ متبدل أيا جاءت تطورات اليوم التالي في لبنان. فلعل العهد والحكومة الجديدتان كما ما سينجم عن معركة استعادة الدولة والسيادة واحتكار الشرعية اللبنانية للسلاح، كل ذلك يحتم "احتفالية" رمزية بهذا الكانون الراحل تاريخا لتاريخ!