كتاب "حزب الله"... نسف لمساعي التفاوض أم مناورة لكسب الوقت؟

بعد أسابيع من الجدل حول مسألة تفاوض لبنان مع إسرائيل، أرسل "حزب الله" أخيراً رسالة موجهة إلى الرؤساء الثلاثة وإلى الشعب اللبناني، يحذر فيها من أي مد تفاوضي مع إسرائيل. وفي كتاب صدر عن دائرة العلاقات العامة اعتبر الحزب أن التفاوض مع العدو "انزلاق".

وجاء في نص البيان "بصفتنا مكوناً مؤسساً للبنان الذي التزمناه وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نؤكد حقنا ‏المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان والوقوف إلى جانب جيشنا وشعبنا لحماية سيادة ‏بلدنا، ولا يندرج الدفاع المشروع تحت عنوان قرار السلم أو قرار الحرب، بل نمارس حقنا ‏في الدفاع ضد عدو يفرض الحرب على بلدنا ولا يوقف اعتداءاته بل يريد إخضاع دولتنا".

وهو ما اعتبره بعض اللبنانيين إعلان الرفض التام لالتزام مبدأ حصرية السلاح.

في المقابل، كرر الرئيس اللبناني جوزاف عون بقوة حديثه عن باب التفاوض غير المباشر مع إسرائيل، في مسعى إلى تجنيب لبنان جولة تصعيد عسكرية جديدة وسط تحذيرات إسرائيلية متصاعدة وضغوط أميركية متشددة في شأن نزع سلاح "حزب الله".

ومع هذا الواقع يبدو لبنان أمام معادلة معقدة: التفاوض كضرورة لحماية سيادته ووقف النزف اليومي والمضي بقرار حصر السلاح على قاعدة احتوائه من دون كسر الحزب، مقابل تحديات كثيرة تتمثل في الموقف الإسرائيلي المتعنت، والضغوط الأميركية المتصاعدة، وحسابات "حزب الله" الداخلية والإقليمية.

والسؤال المطروح الآن، هل ستقبل إسرائيل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، أم أن لبنان يسير في طريق مسدود قد يفضي إلى تصعيد جديد؟​​

والسؤال الأهم، هل أقفل "حزب الله" الباب تماماً أمام التفاوض أم أن البيان الأخير مناورة إعلامية، أمام بيئته، فيما الموقف الحقيقي عبر عنه الحليف الأكبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قالها قبل ساعات إنهم لن يقبلوا بتفاوض مباشر، أي أن خيار التفاوض غير المباشر مقبول أسوة بما حدث عام 2022 في ملف الحدود البحرية مع إسرائيل.

التفاوض خيرٌ من الحرب
لا يفوت رئيس الجمهورية فرصةً إلا ويؤكد فيها استعداد لبنان للتفاوض، قائلاً أمام زواره "ليس أمام لبنان إلا خيار التفاوض الذي لا يكون مع صديق أو حليف بل مع عدو"، مضيفاً أن "لغة التفاوض أهم من لغة الحرب التي رأينا ماذا فعلت بنا".

لكن موقف عون المتقدم لا يمكن فصله عن الرسائل التحذيرية الإسرائيلية التي حملها أكثر من موفد دولي وعربي إلى بيروت، هذه الرسائل تضمنت تهديداً صريحاً بتوسيع دائرة التصعيد، بحجة التشكيك بجدية الحكومة اللبنانية في تنفيذ قرار حصر السلاح، لا سيما أن الأسلحة لا تزال تصل إلى الحزب عبر سوريا، بحسب تقارير حملتها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس خلال زيارتها الأخيرة. فيما دعا السفير الأميركي توم براك لبنان والرئيس عون تحديداً إلى التواصل المباشر مع إسرائيل، قبل أيام قليلة.
الموقف الأميركي المتشدد يطالب بحسم ملف السلاح في مهلة أقصاها نهاية العام، وفي الكواليس يتردد أن قيادة الجيش اللبناني تدرس طلب تمديد المهلة عاماً إضافياً، مما دفع عون إلى اعتماد مقاربة جديدة لمواجهة الضغوط الأميركية تتمثل في التقدم خطوة إلى الأمام وقبول مبدأ التفاوض، بعدما كان أعلن من باريس في مارس (آذار) الماضي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن "مبدأ التفاوض يستوجب أخذاً وعطاءً"، مشدداً على أنه "ليس لدى لبنان أرض محتلة في إسرائيل ليفاوض عليها ولا أسرى إسرائيليون لديه، وأن التفاوض يمكن أن يحصل على النقاط الحدودية المختلف عليها، ولكن بعد أن تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس وبعد أن تسلم الأسرى اللبنانيين".

بيروت تنتظر رد واشنطن وتل أبيب
حتى الآن، يقتصر الحديث عن التفاوض على رئيس الجمهورية، ولم يُطرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء لاتخاذ قرار رسمي في شأنه، لكن مصادر سياسية كشفت أن عون نسّق الموقف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، واتفقوا على التمسك بالتفاوض في إطار لجنة "الميكانيزم" على أن يتم توسيعها لتضم مدنيين من متخصصين وقانونيين، والنموذج المقترح يدمج بين لجنة "الميكانيزم" واللجنة التي تفاوضت في ملف ترسيم الحدود البحريةعام 2022، والتي ضمت آنذاك ممثلَين عن الجيش اللبناني إضافة إلى متخصصين في الجغرافيا والقانون الدولي وشؤون النفط والغاز.

مصادر مقربة من رئيس الجمهورية تؤكد أن قرار التفاوض لا يزال خياراً طرحه عون لرصد ردود الفعل، ولم يُحسم بعد، وتكشف عن أن عون قدم العرض للتفاوض لكنه لم يتلقَّ جواباً من الولايات المتحدة وإسرائيل، المعنيَّين المباشرَين بالموضوع.

إسرائيل لن تقبل إلا بتفاوض سياسي
في المقابل توحي الرسائل الدولية والعربية التي وصلت إلى لبنان بتمسك إسرائيل بحل موضوع السلاح أولاً قبل الذهاب إلى التفاوض، وبأنها لم تسقط خيار التصعيد لضمان أمنها، وعشية اجتماع الحكومة الإسرائيلية المخصص للبحث بملفي لبنان وغزة، رحب مسؤول إسرائيلي عبر قناة "الحدث" بأي مفاوضات مع لبنان لكن من دون شروط سابقة وأكد أن بلاده لا تسعى إلى حرب مع لبنان لكنها لن تتردد إذا لزم الأمر.

وبحسب مصادر دبلوماسية أميركية فإن إسرائيل لن تقبل إلا بتفاوض سياسي ومباشر مع لبنان، وترفض أن يكون انطلاق المفاوضات مشروطاً بوقف اعتداءاتها أو بهدنة مدة شهرين أو ثلاثة، كما تتمسك تل أبيب بانسحاب كامل لـ"حزب الله" من جنوب نهر الليطاني مقابل إعادة الأسرى، وبدء تسليم السلاح شمال الليطاني وفق برنامجٍ زمني واضح، مقابل البدء في الانسحاب من نقاط القرى الأمامية وفق برنامج زمني موازٍ.