كتب وليد حسين في المدن:
"لا تمثل كلية الصحة في الجامعة اللبنانية طبيعة المناكفات الطائفية والحزازات السياسية الحاصلة منذ سنوات وحسب، بل هي بمثابة نموذج معبّر عن التداعيات التي تعيشها الجامعة، والتي تهدد مستقبلها العلمي. فالفرع الرابع في هذه الكلية في البقاع الأوسط كان من أهم الكليات في المنطقة، بعدما نمى وتوسع وأنشأ مراكز وأقسام وشبكة علاقات واسعة مع كل مستشفيات المنطقة ومراكزها الصحية. لكنه عاد وتراجع جراء التدخلات السياسية وحشو الكلية بمتعاقدين لا يحملون شهادات عليا حسب اختصاصات أقسام الكلية.
تراجع مستوى الكلية
يضم فرع كلية الصحة سبعة أقسام، مثل التمريض والأشعة والمختبر والقابلة القانونية وتقويم النطق وغيرها. لكنه يضم حالياً ستة أساتذة في الملاك فقط لا غير، هذا فيما الهيئة التعليمية فيه تضم نحو 160 أستاذاً وطبيباً، متعاقدين بالساعة، بعقود جزئية تتراوح بين 20 ومئة وخمسين ساعة. ويضاف إليهم نحو أربعين مدرباً في مختلف الأقسام.
وتضم الكلية نحو 550 طالباً وطالبة غالبيتهم مسجلين في قسم التمريض (نحو 220 طالباً). ورغم أن تراجع مستوى الكلية لم يترجم بتراجع عدد طلابها، إلا أنه يبدو جلياً من إحجام التلامذة عن التسجيل لمباراة الدخول. ففي السابق كان يتقدم أكثر من 700 تلميذ لمباراة الدخول وتراجع العدد إلى نحو 400 طالب، يتم انتقاء نحو 150 طالباً سنوياً لمختلف الأقسام. فقد فقدت الكلية كفاءات عدة من أطباء وأساتذة في المواد العلمية واللغات، بسبب الأزمة الاقتصادية وتراجع قيمة أجر الساعات التعاقد. وتم حشو الكلية بأساتذة لا يحملون شهادات بالاختصاصات المطلوبة، تقول مصادر مطلعة. ما أفقد الطلاب الرغبة للتسجيل فيها.
باستثناء الأطباء وأساتذة بعض المواد، لا يوجد في الكلية أساتذة من أصحاب الاختصاص، بين المتعاقدين الكثر. فترى على سبيل المثال أستاذاً متخصصاً بالمعلوماتية يدرِّس مادة الفيزياء، أو أستاذاً بقسم تقويم النطق يحمل شهادة بالآداب. ولا يخلو الأمر من أستاذ يحمل شهادة أدب فرنسي من جامعة طهران يعلم في كلية علمية. أي كما لو أنه لا يوجد أشخاص يحملون شهادة دكتوراه بالفيزياء لتعليم الطلاب مادة الفيزياء، أو لا يوجد مختصين بتقويم النطق والألسنيات لتعليم الطلاب. وحتى رؤساء الأقسام يؤتى بهم من كليات أخرى كما لو أن الكلية باتت في العناية المركّزة وبحاجة إلى من ينقذها من كليات غيرها. هذا رغم أن هذه التعيينات لا تتم لأسباب تتعلق بالكفاءة، تقول المصادر.
تعيين رؤساء الأقسام
وعليه، لا يخلو استقدام أساتذة من كليات أخرى لتكليفهم كرؤساء الأقسام في الصحة من المناكفات الطائفية، في ظل الحمأة الشيعية للسيطرة على إدارة الكلية وانتزاعها من السنّة، تقول المصادر. فبسبب عدم وجود أساتذة متفرغين يحملون شهادات بالاختصاص في القسم المحدد، لا تجري الانتخابات لاختيار رؤساء الأقسام من الأساتذة (مع استثناء قسمي المختبر والعمل الصحي الاجتماعي حيث يوجد متخصصين). وفي مثل هذه الحالات الاستثنائية التي تعاني منها الكلية، حيث لا يوجد فيها أصحاب اختصاص للترشح، يجري تعيين رؤساء الأقسام بالتعاون بين مجلس الجامعة ورئيسها. وفي حالة الجامعة الحالية (لا يوجد فيها مجلس جامعة) يتم التعيين بين الرئيس بسام بدران ووزير التربية عباس الحلبي.
ما حصل في الفرع الرابع، أنه وقبل أسبوع من انتخابات المديرين (التي حصلت منذ نحو شهر) عين بدران أربعة رؤساء أقسام من الطائفة الشيعة (واحد منهم من كلية العلوم) واثنين مسيحيين. ومالت دفة الانتخابات في مجلس الفرع لصالحه. فانتخاب المديرين يتم على مستوى مجلس الفرع. والأخير كهيئة ناخبة مؤلف من رؤساء الأقسام والمدير وممثل الأساتذة. وكانت النتيجة أن مجلس الفرع انتخب خمسة أساتذة، أربعة منهم من الطائفة الشيعية (من ضمنهم وزير الصحة السابق حمد حسن) وواحد مسيحي.
الانتخابات في مجلس الوحدة
رفع مجلس الفرع النتيجة إلى مجلس الوحدة (الكلية) لانتخاب ثلاثة أساتذة من الخمسة، لرفعها إلى بدران وتعيين مدير جديد للفرع من بينهم. وحاول الوزير حمد حسن سحب ترشيحه، ورفض الأمر، لأنه في قانون الجامعة لا يمكنه الانسحاب. وقد أقدم الوزير حسن على هذا الخيار لمعرفته المسبقة بأنه سينال هزيمة محققة على مستوى الأصوات. فرغم انسحابه جرت الانتخابات وحصل حسن على ثلاثة أصوات من أصل 14 صوتاً.
وتشرح المصادر أن حسن حضر شخصياً إلى مجلس الوحدة وطلب سحب ترشيحه بالقوة. فهو كان وزيراً ويرى أنه من المعيب عدم حصول اجماع عليه. لكنه كان على يقين أن "صاع" فرع البقاع سيرد عليه بصاعين في مجلس الوحدة. فالأخير مؤلف من مديري وممثلي الأساتذة في فروع طرابلس وصيدا والحدث والبقاع (للسنّة) والفنار (للمسيحيين) وعين وزين (للدروز). أي أن مجلس الوحدة بأغلبية سنّية. وما حصل في البقاع أنه تم تهميش السنّة من خلال انتزاع الفرع منهم، بعد تعيين بدران رؤساء الأقسام.
بعد هذه الجلبة، رفع مجلس الوحدة لائحة تضم: حسام قاسم من كلية الصحة، وعماد الزين من كلية الآداب (شيعة)، وحميد بو صعب من ملاك كلية العلوم (مسيحي)، ليختار بدران واحد منهم لمنصب مدير فرع البقاع. بمعنى آخر كانت إدارة الفرع مع السنة، لكن حالياً ستنتقل حكماً للشيعة، في حال وقع الخيار على قاسم كونه في ملاك الكلية، وليس بو صعب كونه من ملاك العلوم. أو ربما تذهب لعماد الزين لإرضاء حزب الله. علماً أنه سبق ورفع بدران كتاباً رسمياً قبل الانتخابات إلى جميع الفروع طلب فيه عدم قبول ترشيحات لأساتذة من خارج ملاك الكلية المراد تعيين مدراء فروع لها. وتبين لاحقاً أن تعميم بدران مخالف لقانون الجامعة الذي يبيح ترشيح أي أستاذ من أي كلية لتولي منصب مدير فرع."