المصدر: المدن
الأربعاء 23 شباط 2022 17:16:05
كتب خضر حسان في المدن:
تلعب وزارة الطاقة على عواطف اللبنانيين وحاجتهم الملحّة للكهرباء. ومع علمها بأنها تبيعهم أوهاماً، إلاّ أن الغريق يتعلّق بقشّة، وهو ما يفعله اللبنانيون حالياً. ويرمي وزير الطاقة وليد فيّاض قشّة تحسين أوضاع الكهرباء في خطّته المرسومة لثلاث سنوات.
يمرّ فيّاض مرور الكرام على السنة الأولى، أي العام 2022. ليرسم كهرباءً أفلاطونية في العامين المقبلين. لكن قبل السفر عبر الزمن، ينبغي تفنيد ما يملكه الوزير حتى نهاية العام الحالي.
الفيول العراقي
تعتمد معامل إنتاج الكهرباء حالياً على الفيول العراقي وما تؤمّنه الدولة من فيول عبر سلفات الخزينة، بفعل عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تأمين ثمن الفيول. وهذه العملية تعطي نظرياً بين 3 و4 ساعات تغذية يومياً، لا يلحظها اللبنانيون لأن نصفها يذهب هدراً على طول الطريق من المعامل مروراً بالمحطات والأسلاك وصولاً إلى المنازل والمؤسسات. فضلاً عن ما يُسمّى بـ"انهيار الشبكة"، وهو انطفاء المعامل بعد نزول مستوى إنتاجها عن الحد الأدنى، أو بفعل حصول أي خلل طارىء. وإعادة تشغيل المعامل تحتاج بين 4 إلى 6 ساعات.
الفيول العراقي يساهم في إنتاج نحو 500 ميغاوات. في حين أن إنتاج نحو 12 ساعة تغذية قبل الأزمة، كان يستند إلى تأمين نحو 1800 ميغاوات، يُنتجها احتراق نحو 3 ملايين طن من الفيول سنوياً. فيما يؤمِّن العقد مع العراق مليون طن من زيت الوقود الذي يفترض استبداله بفيول مناسب لتشغيل المعامل، أي أن الكمية النهائية أقل مما تحتاجه المعامل. وهذه المعطيات، عَرَفَها وزير الطاقة، فوقف عندها ولم يرفع سقف التحدّي لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الأزمة، بل اكتفى بالحفاظ على 3 ساعات بواسطة الفيول العراقي.
لا زيادة لساعات التغذية
قبل الأزمة، اشترك معمل دير عمار ومعمل الزهراني في إنتاج نحو 750 ميغاوات. وساندهما معملا الذوق والجية في إنتاج نحو 600 ميغاوات، وكانت باخرتيّ الطاقة تنتجان نحو 380 ميغاوات. أي في أحسن الأحوال، لم تكن القدرة الإنتاجية تزيد عن 1800 ميغاوات.
أما وقد خرجت باخرتيّ الطاقة من المعادلة نهائياً، ولم يعد لبنان قادراً على تأمين كلفة الفيول المطلوب للحفاظ على ساعات التغذية والتقنين المعتاد، اكتفى بثلاث ساعات عراقية المصدر، تكفي في أفضل أحوالها لتشغيل المعامل وإلقاء الكهرباء التحية على القليل من اللبنانيين والأجانب المقيمين والزائرين.
الجزء المخصص للعام 2022 في الخطة الجديدة يستند إلى الحفاظ على الساعات الثلاث وزيادة التعرفة على المواطنين لتأمين كلفة التشغيل وإدّخار نحو 250 مليون دولار. والتعويل على تأمين 2 مليار دولار لزيادة التغذية إلى 9 ساعات. مع التذكير أن أي زيادة نظرية مطروحة، لا تُلتَمَس على أرض الواقع بفعل الهدر بنحو 50 بالمئة. أي أن الساعات الثلاث الموثوق بها، لا يصل منها سوى نحو ساعة ونصف ساعة. والحلم بـ9 ساعات، لن يصل منه في حال تحقيقه، أكثر من 4 ساعات ونصف.
في حال عدم تأمين 2 مليار دولار، يبقى أمام لبنان الكهرباء الأردنية التي ستنتج نحو 250 ميغاوات، أي ستعطي نحو ساعتيّ تغذية منتظرة بدءاً من شهر آذار المقبل. ومن المتوقّع أن يضيف استجرار الغاز المصري نحو 4 ساعات، ليحظى لبنان خلال ما تبقّى من العام الجاري، بين 8 إلى 9 ساعات، ستٌّ منها نظريّ فقط. إذ يتعلّق بموافقة البنك الدولي على تمويل القرض الذي ستُدفَع بواسطته قيمة الكهرباء والغاز.
وإذا تحقُّق ما هو متوقّع، سيعيق نظام المداورة في التغذية وعدم تركيب العدادات الذكية في كل المناطق واقتحام محطات التحكّم بتوزيع الكهرباء، إيصال الكهرباء إلى معظم المناطق، أي ستبقى غارقة في العتمة الشاملة وتحت رحمة المولّدات الخاصة.
سافَرَ وزير الطاقة عبر الزمن قاطعاً 3 سنوات من الإنجازات الوهمية. إلاّ أن الحقائق والمعطيات المتوفّرة، تعيده إلى أرض الواقع وتؤكّد له أن تأمينه 3 ساعات لا تصل كلّها إلى المواطنين، هي الحقيقة المطلقة التي عليه التعايش معها طيلة العام 2022، إلاّ إذا استطاع إقناع مصرف لبنان بإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان 133 مليار ليرة موجودة في حسابها لديه، فتستعملها لشراء الفيول وزيادة التغذية. لكن هذا المبلغ فعلياً ليس من حق المؤسسة، لأنه حقٌّ معلَّق للمتعهدين والشركات وسلسلة من سلف الخزينة غير المدفوعة.