كهرباء لخمس ساعات: الرهان على الوقت والمال.. وصبر العراقيين

بات الالتزام بتأمين نحو 5 ساعات من الكهرباء، يُعَدُّ إنجازاً. إذ تنطوي العملية على صراع تمرير مناقصة تحديد الجهة التي ستورِّد الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتوازي، تأمين الاعتمادات المالية المطلوبة لتسريع الإتيان بشحنات الفيول العراقي.
فهذان هما المصدران الوحيدان لتأمين الفيول "بالقطّارة"، وفق ما يُتاح من أموال يُختَلَف على الجهة التي ستؤمِّنها، هل من صندوق مؤسسة الكهرباء، أمن من خزينة الدولة أو يتعهّد مصرف لبنان بتأمينها؟ أما تحصيل أموال إضافية لاستيراد المزيد من الفيول وزيادة ساعات التغذية، فمُلقى -حسب وزير الطاقة وليد فيّاض- على عاتق ما يمكن تحصيله من سيولة كامنة بين الناس ومؤسسات الدولة، لصالح مؤسسة الكهرباء. فهل نبقى على هذا المنوال أم هناك ما يمكن تغييره؟

انفراج جزئي
مع بداية العام 2024، كانت وزارة الطاقة قد تخطّت العقبة المالية التي عرقلت توريد شحنة الفيول العراقي، حتّى أن جزءاً من الشحنة "أُفرِغَ في معمل الزهراني ومنعَ الطقس السيّء ربط الباخرة لتفريغ الجزء المخصص لمعمل دير عمار"، وفق ما أكّده فيّاض لـ"المدن"، مشيراً إلى أنه مع بداية الأسبوع المقبل "ستكون الخزانات قد امتلأت وسترتفع ساعات التغذية إلى نحو 5 ساعات يومياً".

الانفراج الجزئي رافقه اطمئنان من قِبَل فيّاض إلى أن جباية مؤسسة الكهرباء أصبحت تؤمِّن جزءاً من الاحتياجات المالية للمؤسسة، إذ "تؤمّن نحو 50 مليون دولار شهرياً". ويعوِّل فيّاض على أن للمؤسسة "سيولة بِيَد الناس ومؤسسات الدولة. ومنها يفترض بالمؤسسة أن تدفع لشركات مقدمي الخدمات وثمن الفيول". وبنظر الوزير "قد لا تكفي الأموال، لكن المؤسسة، بالنتيجة، باتت تحصِّل سيولة وهذا لم يكن موجوداً قبل رفع التعرفة".

حسابات مختلفة
حسابات وزارة الطاقة في هذا الملف مختلفة تماماً عن حسابات هيئة الشراء العام ومصرف لبنان والجانب العراقي. فيما وزارة المالية غالباً ما تعارض ثم تعود لتطوِّع حساباتها وفق حسابات وزارة الطاقة، بمباركة مجلس الوزراء.

مقياس وزارة الطاقة هو الوقت. فما يريده الوزير هو تأمين التمويل لاستيراد الفيول وتأمين الكهرباء في أقصر وقت ممكن، وبرأيه "مؤسسات الدولة لا قيمة لديها للوقت"، وذلك لانشغالها بالالتزام بـ"البيروقراطية" لتأمين التمويل. والإشارة هنا للوقت الذي انتظره مصرف لبنان لإتمام توقيع الحاكم بالإنابة وسيم منصوري على رفع قيمة الاعتماد المستندي المفتوح في مصرف لبنان، لصالح شركة تسويق النفط العراقية SOMO، من 656 مليون دولار إلى 700 مليون دولار، لتأمين قيمة شحنات زيت الوقود عن الفترة الممتدة بين أيلول 2021 وتشرين الثاني 2022، وكذلك عن الفترة بين كانون الأول 2022 وتشرين الثاني 2023، وذلك تنفيذاً للعقد الموقَّع بين لبنان والعراق. وما كان مصرف لبنان ليوافق على هذه الخطوة، لولا حصوله على قرار من مجلس الوزراء يعفيه من مسؤوليته عن هذا المبلغ في حال تخلَّفَت وزارة المالية عن تأمينه. وبالتالي، بات على وزارة المالية تأمينه بما أن صندوق مؤسسة الكهرباء عاجز عن ذلك. فعُدنا بالتالي إلى شراء الفيول من خزينة الدولة، أي بسلف خزينة مبطَّنة. علماً أن خطط الطوارىء المتعاقبة التي وضعتها وزارة الطاقة، كانت تَعِدُ بتأمين استدامة مالية لكهرباء لبنان، والأخيرة تتنصَّل من أي التزام. ومع ذلك، أكّد فيّاض أن "الأموال مرصودة من قِبَل وزارة المالية لصالح العراقيين".

تبايُن في الأهداف
الهدف الرئيسي لوزارة الطاقة هو الحفاظ على إمدادات الوقود لإنتاج نحو 5 ساعات من الكهرباء. في حين هناك محطّات لا يجب استسهال تخطّيها، لأن استمرار تجاهلها يوصِل إلى انقطاع إمدادات الوقود، وتالياً انقطاع ما يؤمَّن من كهرباء. وما يمكن استخلاصه من دوّامة ملف الكهرباء هو مروره بثلاث محطّات رئيسية.

المحطّة الأولى، هي لعبة الوقت التي تكرّرها وزارة الطاقة. أي أنها تتأخّر في إطلاق مناقصات توريد الفيول ولا تستبق الوقت قبل نفاد الكميات الموجودة في المعامل. وبرأي رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، فإن "وزير الطاقة يحافظ على الوضع القائم والشركات الموجودة ولا يريد دخول أي شركة جديدة". وتساءل العلية خلال حديث لـ"المدن"، عن سبب "عدم إطلاق الوزير مناقصة في الوقت الحالي.. ولماذا ينتظر المزيد من الوقت ليقول لاحقاً أن الوضع طارىء ومستعجل؟". وأشار العلية إلى أن المناقصة التي اعترضت عليها هيئة الشراء العام كانت مناقصة مخالفة للقانون، والوزير فيّاض انتظر حتى وقت متأخّر لإجراء المناقصة والدفع نحو وجود عارض وحيد يتم تلزيمه باتفاق رضائي.
المحطة الثانية، هي لعبة التمويل. ورغم خطة الطوارىء، لم تستطع الوزارة ضمان تأمين الاستدامة المالية لمؤسسة كهرباء لبنان، مع أنها سارعت إلى رفع التعرفة قبل زيادة التغذية بالكهرباء. وعليه، تلقي الوزارة اللوم تارة على مصرف لبنان وتارة أخرى على وزارة المالية وأحياناً على مجلس الوزراء في حال التأخّر في رصد الاعتمادات المالية المطلوبة لشراء الفيول، مع أن عقد أي نفقة، لا يصح قانوناً إلا في حال التأكُّد من إعادته، ووزارة الطاقة لم تُعِد أي مبلغ استُلِفَ من الدولة.
أما المحطة الثالثة، ففيها دلالة على اتجاه خطير في ملفّ استيراد الفيول العراقي. فالنسخة الأولى من الاتفاق، حملت انفتاحاً عراقياً كبيراً وتساهلاً لجهة التمويل، إذ وافق العراقيون على تسديد لبنان ثمن الفيول بالخدمات، لكن لبنان تقاعس، ما حذا بالعراقيين إلى طلب ضمانات مالية أكبر، وهذا يدل على عدم ثقة العراقيين بلبنان ونفاد صبرهم، وهو ما ينذر بالمزيد من التعديلات والمطالب في حال الاتفاق على استمرار تجديد العقد مستقبلاً.