المصدر: النهار
السبت 20 نيسان 2024 10:11:49
بعد أيام من المراوغة، جاءت الضربة الإسرائيلية على إيران محدودة ومصمّمة بعناية على ما يبدو للحدّ من مخاطر اندلاع حرب كبرى، حتى لو كانت الحقيقة المؤكدة هي الوقوع في المحظور وتحطيم "تابوه" عدم الدخول في مواجهات مباشرة، وهو ما فعلته طهران قبل أيام.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة لـ"رويترز" إنّ حكومة الحرب الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو وافقت في البداية على خطط توجيه ضربة داخل الأراضي الإيرانية ليل يوم الاثنين الماضي، برد قوي على الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقتها طهران يوم السبت، لكنها تراجعت في اللحظات الأخيرة.
وأضافت المصادر أنّ الأعضاء الثلاثة، الذين لهم حقّ التصويت في حكومة الحرب، كانوا قد استبعدوا بالفعل في ذلك الوقت اللجوء إلى أشدّ الردود قوة، بتوجيه ضربة إلى مواقع استراتيجية من بينها منشآت إيران النووية، والتي من المؤكد أنّ تدميرها سيؤدي إلى توسيع نطاق الصراع في المنطقة.
وذكرت المصادر أنّه تقرّر إرجاء خطط الردّ منذ ذلك الحين مرتين في ظل الانقسامات داخل الحكومة والتحذيرات القوية من الشركاء ومنهم الولايات المتحدة ودول الخليج بعدم التصعيد، إلى جانب الحاجة إلى أن يكون الرأي العام العالمي بجانب إسرائيل. وقال مسؤولون حكوميون إنّ اجتماعَين لحكومة الحرب الإسرائيلية تأجّلا أيضاً مرّتَين.
وقبل الهجوم، نقل متحدث باسم مديرية الديبلوماسية العامة الوطنية التابعة للحكومة عن نتنياهو قوله إنّ إسرائيل ستدافع عن نفسها بأي طريقة تراها مناسبة.
وتحدّثت "رويترز" إلى أكثر من عشرة مصادر في إسرائيل وإيران ومنطقة الخليج والولايات المتحدة، الذين أشاروا إلى بذل جهود على مدار ستة أيام في الخليج وواشنطن وبين بعض مخطّطي الحرب الإسرائيليين لوضع حدود للرد على أول ضربة إيرانية مباشرة على إسرائيل بعد عقود من الحرب الخفية.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لـ"رويترز": "حذّرنا من الخطر الجسيم المتمثل في مزيد من التصعيد"، مسلّطاً الأضواء على حقيقة أن اتّساع نطاق الصراع في المنطقة ستكون له تداعيات كارثية وسوف يهدد بتحويل أنظار العالم بعيداً من الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة.
وأضاف الصفدي أنّ بلاده التي تشترك في حدود مع إسرائيل، "أوضحت للجميع أنّها لن تكون ساحة للقتال بين إسرائيل وإيران. هذا الموقف الحازم نُقل للجميع بشكل لا لبس فيه".
ويبدو أنّ الضربة التي وقعت فجر الجمعة استهدفت قاعدة للقوات الجوية الإيرانية بالقرب من مدينة أصفهان في عمق البلاد على مقربة من المنشآت النووية لإرسال رسالة بمدى قدرة إسرائيل على الوصول لكن بدون استخدام طائرات أو صواريخ باليستية أو قصف أي مواقع استراتيجية أو التسبب في أضرار كبيرة.
وقالت إيران إنّ أنظمتها الدفاعية أسقطت ثلاث طائرات مسيّرة فوق قاعدة بالقرب من أصفهان في وقت مبكر من صباح الجمعة. ولم تذكر إسرائيل شيئاً عن الواقعة. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ الولايات المتحدة لم تشارك في أي عمليات هجومية.
من جهته، قال مسؤول إيراني لـ"رويترز" إنّ هناك دلائل على أن الطائرات المسيّرة أُطلقت من داخل إيران وأن من أطلقها "متسلّلون"، وهو ما قد ينفي الحاجة إلى الرد.
وأفاد مصدر مطّلع على تقييمات المخابرات الغربية للهجوم بأنّ الأدلة الأولية تشير إلى أن إسرائيل أطلقت طائرات مسيّرة من داخل الأراضي الإيرانية.
وقال إيتمار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن: "لقد حاولت إسرائيل الموازنة بين ضرورة الرد والرغبة في عدم الدخول في دائرة (مفرغة) من الفعل ورد الفعل الذي من شأنه أن يتصاعد إلى ما لا نهاية".
ووصف رابينوفيتش الوضع بأنّه يشبه "رقصة يعطي فيها كل طرف للآخر إشارات على نواياه وخطواته التالية"
إلى ذلك، قال المحلل السعودي المخضرم عبد الرحمن الراشد لـ"رويترز": "هناك ارتياح كبير في منطقة الخليج. يبدو أن الهجوم كان محدوداً ومناسباً وتسبَّب في أضرار محدودة. أرى أنه تهدئة".
مكالمة بايدن
يُسلّط قرار التراجع عن اتخاذ إجراء فوري أوسع هذا الأسبوع الضوء على الضغوط المتلاحقة على حكومة نتنياهو في أعقاب هجوم إيران على إسرائيل مساء السبت باستخدام أكثر من 300 من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.
وقال مسؤولان إسرائيليان مطّلعان إنّ عضوَين في حكومة الحرب، هما بيني غانتس وغادي أيزنكوت، وكلاهما قائد سابق للقوات المسلّحة، كانا يريدان الردّ فوراً على هجوم طهران قبل أن يوافقا على التأجيل إثر مكالمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي مواجهة رؤى مختلفة من وزراء آخرين.
وينتمي غانتس إلى تيار الوسط وانضم إلى حكومة طوارئ شكلها نتنياهو في أعقاب هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في تشرين الأول.
ورفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على أسئلة "رويترز" حول عملية صنع القرار في إسرائيل، في وقت قال بلينكن إنّ واشنطن تعمل على تهدئة التوتر.
من جهته، لفت متحدث باسم حزب شاس، وهو أحد الأحزاب الدينية المتشدّدة في ائتلاف نتنياهو ويتزعمه أرييه درعي العضو المراقب في حكومة الحرب الذي كان يميل إلى الحذر من اتخاذ خطوات جذرية، إلى أنّ درعي عارض بشدة توجيه ضربة فورية لإيران لاعتقاده بأنّها قد تعرض الشعب الإسرائيلي لمخاطر التصعيد.
وقال درعي لصحيفة (هاديريش) الإسرائيلية "علينا أيضا أن ننصت لشركائنا، إلى أصدقائنا في العالم. أقول هذا بوضوح، لا أرى أي خجل أو ضعف في القيام بذلك".
وذكر محلّلون ومسؤولون سابقون في إسرائيل أنّ خيارات تل أبيب تنوّعت بين شن هجمات على منشآت إيرانية استراتيجية، بما يشمل المواقع النووية أو قواعد الحرس الثوري، وبين عمليات سرية واغتيالات وهجمات إلكترونية على منشآت صناعية استراتيجية ومنشآت نووية.
وفي هذا السياق، قال عبد العزيز الصغير، رئيس "مركز الخليج للأبحاث" ومقرّه السعودية، إنّ دول الخليج تشعر بقلق متزايد من تحول الوضع إلى صراع إقليمي خطير قد يخرج عن السيطرة أو يستعصي على محاولات الاحتواء.
ودعت المملكة العربية السعودية والإمارات إلى ممارسة أقصى درجات "ضبط النفس" لتفادي توسع الصراع في المنطقة.
وأضاف الصغير أنّ دول الخليج حذّرت الولايات المتحدة من خطر التصعيد، وقالت إنّ على إسرائيل أن تشنّ هجوماً محدوداً فقط دون إصابات أو أضرار واسعة يمكن أن ينتج عنها انتقام كبير.
وأشار مصدر مخابراتي إقليمي كبير إلى أنّ هذه الرسائل "تم نقلها بقوّة" في الأيام القليلة الماضية من الأردنيين والسعوديين والقطريين عبر القنوات الأمنية والديبلوماسية المباشرة.
وبحلول يوم الخميس، عبّرت أربعة مصادر ديبلوماسية وحكومية في المنطقة عن ثقتها في أن الردّ سيكون محدوداً ومتناسباً.
وقبل الهجوم الإسرائيلي الذي وقع أثناء الليل، قال مصدر إقليمي مطّلع على التفكير في إسرائيل، إنّ الردّ سيكون بحرص لتقليل الخسائر أو تجنّبها تماماً ومن المرجّح أن يستهدف قاعدة عسكرية.
وذكر مصدر حكومي خليجي مطّلع أنّ تحليق طائرات مقاتلة من طراز (إف-35) من إسرائيل إلى إيران، أو إطلاق صواريخ من إسرائيل، سينتهك على نحو شبه مؤكد المجال الجوي لدول مجاورة، ممّا سيثير غضب دول عربية يسعى نتنياهو منذ فترة طويلة إلى عقد تحالف استراتيجي معها.
وأوضح المصدر أنّه ليس بوسع نتنياهو "توجيه طائرات مقاتلة من طراز (إف-35) بهذه السهولة عبر المنطقة وقصف إيران أو مواقعها النووية".
إلى ذلك، حذّر مسؤولون إيرانيون من أنّ أي هجوم إسرائيلي كبير سيؤدي إلى انتقام فوري.
وقال مسؤول إيراني كبير إنّ خيارات إيران للرد تشمل إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو خمس تجارة النفط العالمية، فضلاً عن حضّ وكلاء طهران على استهداف مصالح إسرائيلية أو أمريكية، ونشر صواريخ لم تُستَخدم من قبل.
ورغم رضا المعتدلين في الداخل الإسرائيلي والجيران والشركاء الدوليين، فإنّ الضربة المصمّمة بعناية لاقت، بعد حدوثها، استياء من المتشددين في حكومة نتنياهو.
وكتب وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، الذي يعد حزبه القومي المتطرف من الركائز الأساسية لائتلاف نتنياهو، كلمة واحدة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "ضعيف".