"كوريدور" يربط أرز بشري بالشوف وعكار

تُعدّ غابة «أرز الرب» في بشري من بين الأقدم في العالم، وتضم نحو 2162 أرزة على مساحة 10.2 هكتارات، من بينها 76 أرزة يراوح ارتفاعها بين 30 و41 متراً.

ورغم صمودها عبر الألفيات، كانت هذه الغابة الدهرية مهددة بالعزلة، بسبب تراجع محيطها الطبيعي، وارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المناخية، ما حوّلها جزيرة خضراء وسط أراضٍ قاحلة. من هنا وُلدت فكرة إحياء الحياة من حولها عبر مشروع «غابة أصدقاء أرز لبنان»، لتكون امتداداً حيّاً للغابة وسوراً بيئياً واقياً لها.

عام 1995، موّلت وكالة «المدى الأخضر» في إقليم إيل دو فرانس الفرنسي دراسة الجدوى البيئية والزراعية للمنطقة المحيطة بغابة «أرز الرب». تلتها سلسلة من المبادرات، بدأت بإنشاء مشتل خاص لإنتاج شتول الأرز اللبناني، وتخصيص بلدية بشري مئات الهكتارات لـ«لجنة أصدقاء غابة الأرز»، وصولاً إلى موافقة وزارة الزراعة عام 1998 على إنشاء «غابة أصدقاء أرز لبنان»، وزراعة 3000 شجرة في العام التالي كمرحلة أولى.

منذ ذلك الحين، زُرع أكثر من 172 ألف أرزة على مساحة تفوق 520 هكتاراً، مع متابعة دقيقة تمتد لعشر سنوات لكل شجرة. ويوضح رئيس اللجنة بسام جعجع أن «كل أرزة تُروى بين أربع وست مرات سنوياً بما يقارب 150 لتراً من المياه، عبر شبكة تمتد على 36 ألف متر طولي من القساطل تصل بين البركة والغابات»، مشيراً إلى أنّ «لكل أرزة في الغابة بروشوراً خاصاً بها».

زُرع أكثر من 172 ألف أرزة على مساحة تفوق 520 هكتاراً منذ عام 1995


يلفت جعجع إلى أن الاتكال على الطبيعة وحدها لم يعد كافياً لتجديد الغابة، فـ «حين استلمنا الغابة عام 1985 كان عدد أشجار الأرز 1472 أرزة، فيما وصل اليوم إلى 2162 أرزة، وهو رقم ثابت تقريباً، لأنّ الغابة محدودة المساحة ويجب الحفاظ على مسافات فاصلة بين كل شجرة وأخرى». وينبه إلى أن «المخاطر المحدقة بالغابة كبيرة خاصة وأنها محاطة بمحيط صحراوي وتحديداً المديين الجنوبي والشمالي.

وتزيد التغيرات المناخية من المخاوف مع ما تتسبب فيه من زيادة في أعداد القوارض والحشرات والآفات. فخلال 100 عام راوحت معدلات الحرارة في الغابة ما بين -10 و22 درجة مئوية، فيما العام الجاري بلغت الحرارة خلال عدة أيام ما بين -2 و42 درجة».

الدور الحمائي الذي يفترض أن تلعبه «غابة أصدقاء أرز لبنان» كدرع ورئة لغابة «أرز الرب» لا يزال يحتاج إلى وقت طويل ليحقق كامل أهدافه، «لكننا نسير في الطريق الصحيح» وفقاً لجعجع، مشيراً إلى أن «كمية الأوكسيجين ترتفع تدريجياً في الغابة، وفي الربيع المقبل سيحضر إلى لبنان خبراء فرنسيون لإجراء أبحاث، وحينها سنتمكن من الحصول على معلومات دقيقة حول زيادة كمية الأوكسيجين في الغابة».

أما التشجير، فهو بأكمله من بذور شجر الأرز Cedrus Libani، ويشمل عدداً من قرى القضاء، فـ«إضافة إلى 172612 شجرة التي تم زرعها منذ عام 1999، تم زرع 14579 شجرة أرز في بلدات حدشيت وحصرون وبزعون وحدث الجبة.

وخصصنا لهذا العام 5000 شجرة أرز لزرعها في بلدات حدشيت وبزعون وبقرقاشا». وعملية التشجير في القرى جزء من «خطة طموحة تتطلب وقتاً طويلاً، لإقامة كوريدور من شجر الأرز يمتد جنوباً من غابة أرز بشري إلى غابة أرز حدث الجبة وتنورين، وصولاً إلى غابة أرز جاج التي ستتصل بغابة أرز الشوف، ويصل الغابة شمالاً بغابة أرز إهدن التي تتصل بدورها بغابة أرز عكار».

وعن الموظفين الذي يتولون هذه المهمة الدقيقة، يقول جعجع إن «غالبية الموظفين من قضاء بشري وجوارها الجغرافي كطرابلس والمنية. هنالك شغل أتمتة ومكننة خفف من الحاجة إلى اليد العاملة، حيث بات في إمكان عاملين فقط أن يسقيا 10 آلاف أرزة خلال 3 إلى 4 أيام. لدينا 20 عاملاً يومياً. ولولا المكننة لكنا بحاجة إلى حوالى 50 أو 60 عاملاً». أما النواحي التنظيمية، فـ«متشعبة ومتعددة.

إذ إن الغابة ملكية الوقف الماروني والبطريركية المارونية. أما دور الوزارات، فمتنوع: وزارة الزراعة تصدر تقاريرها العلمية وتوصياتها التي ننفذها بعد أخذ رأي وزارة الثقافة، كون الغابة مصنفة ضمن تراث الأونيسكو. أما أي عمل بيئي خارج السور والزرع، فتشرف عليه وزارة البيئة، فيما تتولى وزارة السياحة الإشراف على النواحي السياحية والزوار».