المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الاثنين 8 كانون الاول 2025 07:32:15
ثمة إجماع على أن التعميم الذي صدر أخيرا عن أعلى السلطات المالية العراقية، وقضى بإدراج "حزب الله" في قائمة "الجماعات الإرهابية"، وهو ما ينطوي على تداعيات سلبية على كل الصعد، تتصل أكثر ما يكون بقطع كل أشكال التعاون المالي مع الحزب أو مع المؤسسات المحسوبة عليه أو المنبثقة منه، لم يكن نتيجة خطأ ارتكب، وفق التبرير الذي قدمته السلطات العراقية لحظة أعلنت تراجعها عنه بعد ساعات قليلة على صدوره واعتباره كأنه لم يكن.
والواقع أن هذا الإجراء، بقدر ما يعكس صورة عن طبيعة الصراعات السياسية التي تعصف منذ زمن بين المكونات السياسية في هذا البلد، والتي أخذت خطا تصاعديا عشية استيلاد الحكومة العراقية الجديدة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي تكون عادة عبارة عن مخاض عسير يطول أشهرا لينتهي بولادة قيصرية وفق التجارب السابقة المماثلة منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، فإنه يعكس أيضا صورة عن طبيعة الصراع الدائم المستتر حينا والمكشوف في غالب الأحيان بين النفوذين الإيراني والأميركي.
وليس خافيا أن هذا الصراع قد ارتفع منسوبه بعد سقوط نظام بشار الأسد الحليف التاريخي لإيران، وقبله الضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل لـ"حزب الله" في لبنان، مما حدا واشنطن وحلفاءها في المنطقة على المضي قدما في رحلة "كسر أذرع إيران" في المنطقة، وهي الأذرع التي "أخذت مجدها" ورسخت حضورها وتأثيرها في الإقليم في العقود الثلاثة الماضية.
وهكذا فإن الخطوة العراقية تجاه الحزب، فُسرت في أوساط ذات صلة بالحزب نفسه، على أنها بمنزلة "مجس" أعدته الإدارة الأميركية بعناية لمعرفة مقدار التعاطف الذي ما زال يبديه الشارع العراقي مع الحزب و"محور المقاومة" عموما من جهة، ولتبعث من جهة أخرى برسالة بيّنة إلى الجهات والقوى العراقية التي يفترض أن تشارك في عملية تأليف الحكومة العراقية المنتظرة، فحواها أن السبيل المضمون إلى نيل رضانا ودعمنا، يتجسد في أن تتعهدوا السير بمهمة المشاركة في حملتنا المنطلقة منذ زمن تحت عنوان "تجفيف مصادر تمويل الحزب" أينما كانت ومهما كان مقدارها وحجمها، وذلك في سياق حملة بدأناها لضرب ركائز قوته المالية والثقافية والاجتماعية توطئة لإفقاده القدرة والإمكانات على الفعل والتأثير في بيئته الحاضنة، وهي الركائز التي ينبغي تفكيكها بعد إنهاء بنيته العسكرية لكي نفقده القدرة على أي نهوض مستقبلي.
ولا ريب في أن واشنطن تعتبر عراق ما بعد صدام حسين أحد منابع هذا التمويل، إذ إن هناك جهات عراقية تتعاطف مع الحزب وتشاركه توجهاته ومشروعه عموما، وتسهل وصول إمدادات وعائدات مالية له في شكل أو آخر. لذا لم يكن مستغربا أن يكون لدى السلطات اللبنانية المعنية تعليمات وتوجيهات للتشدد في تفتيش الزوار اللبنانيين العائدين من زيارة العتبات المقدسة في العراق، وهم بالآلاف، وعلى مدار السنة.
والمعلوم أن العراق هو أحد بلدين يسمحان لأعضاء الحزب وقيادته بدخوله بأريحية، إما لزيارة العتبات وإما للقاء مرجعيات النجف وكربلاء أو قوى حليفة هناك، أصيلة أو وافدة.
بمعنى آخر، كان العراق بعد سوريا إبان حكم الأسد "الملعب الخلفي" للحزب وساحة يمارس من خلالها أنشطة مالية ودينية وسواها، خصوصا أن للحزب تجربة علاقات وشراكة مميزة مع غالبية القوى المشكلة لـ"الحشد الشعبي"، فضلا عن كون العراق يعد في الرؤية الأميركية إحدى الأقنية التي تؤمن وصول الميزانية المالية التي ترصدها طهران للحزب. ووفق تقديرات أميركية، فإنه من أصل مبلغ الـ80 مليون دولار الذي أبلغت واشنطن جهات في بيروت أنه يصل شهريا إلى خزينة الحزب، تؤمن تلك الأقنية وصول نصفه.
علاوة على ذلك، فإن الحزب نظم في العراق شبكة مصالح وأنشطة مالية واقتصادية مركزها أكثر ما يكون في النجف وكربلاء في الجنوب العراقي، حيث يمكن هذه الشبكة التواصل مع زوار الحاضرتين الدينيتين المهمتين، وهم من كل أنحاء العالم.
وعليه، فإن العراق عدا كونه جزءا تقليديا من محور المقاومة، هو أيضا المدى الحيوي العربي للحزب في الوقت الراهن بعد فقده المدوي للساحة السورية.
ولذا تبدو الخطوة العراقية المفاجئة، وإن تكن قصيرة زمنيا، ذات مفاعيل وتداعيات ستكون عميقة ومديدة، وهي عند الحزب رسالة أميركية جلية مفادها أن لا حدود جغرافية لمعركتنا المفتوحة ضدكم، وأن العراق هو أحد ميادين تلك المعركة المقبلة، والمهم أننا لن ندعكم تشعرون بالأمان والاستقرار.