كيف محت كارثة درنة عائلات بأكملها؟

تسببت كارثة الفيضانات في مدينة درنة الليبية بمحو عائلات تمتد جذورها إلى قرون مضت، ويروي الناجون من المأساة قصصا مروعة للأحداث وكيف تغير المشهد تماما في المدينة، فيما قرر بعضهم مغادرتها هربا من مشاهد الموت والتدمير.

واستعرضت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية تاريخ بعض هذه العائلات والقبائل التي تقطن الشرق الليبي منذ قرون، وبعضها يمتد تاريخه إلى العصر الأندلسي، وتحدث أفرادها عن تهديد هذه الفيضانات لنسبهم الفريد.

ومن بين هؤلاء عائلات الطشاني، التي فقدت بحسب الناجين منها، ما بين 100 إلى 150 فردا. والقبيلة معروفة بمعلمي القرآن وأصحاب الأعمال الصغيرة والموظفين الحكوميين.

ونجا من أفراد منزل إحدى عائلات الطشاني، الذي ضم 22 شخصا، غيث الطشاني وشقيقته وابنة أخته، وقرروا جميعا الرحيل عن درنة.

ويعود تاريخ الطشاني إلى ميناء قديم في الأندلس يحمل الاسم ذاته.

وجاء المستوطنون الأوائل إلى درنة جزئيا بسبب وفرة المياه الجوفية للزراعة ويُعتقد أيضا أن أسوار المدينة القديمة التي لاتزال سليمة من العصر الروماني قد وفرت لهم الحماية.

وتمكن غيث من النجاة أثناء وقوفه على سطح منزله وقت الفيضان لأن أحد جيرانه مد له سلما خشبيا بينما كانت المياه تتدافع عليه.

وعلى مدى اليومين التاليين، بحث عن أقاربه دون جدوى. وعندما أخبره أحد أقاربه أنه رأى جثة زوجته في المستشفى، انهار "وبكى لأول مرة في حياته". ولم يعثر إلا على جثتين أخريين لـ 19 شخصا مفقودا من منزله.

ويقول طلال الطشاني، وهو باحث في الدراسات الاجتماعية، إن مخطوطات عمرها قرون تحمل سجلات أسلافه بالخط العربي القديم كانت محفوظة في قبو منزل والديه في درنة، وهي الآن مغطاة بالطين.

ويقول عماد الطشاني (48 عاما) الذي تمكن من العثور على جثث والده وشقيقيه،: "كان الدمار سيئا للغاية لدرجة أن الناس يهنئونك إذا وجدت جثث أقاربك وتمكنت من دفنهم".

وتشير الصحيفة كذلك إلى قبيلة الحصادي التي يتمتع أفرادها بالثراء ولديهم عقارات وسط درنة، وهم معروفون بأعمالهم الخيرية.

وأحصى نبيل الحصادي، مهندس كهربائي في درنة، مقتل 131 شخصا من القبيلة.

ويستضيف معتز الحصادي، وهو محاسب 27 من أقاربه في منزله المكون من طابقين في الجانب الغربي من وادي المدينة. ويقول: "في العادة نكون سعداء للغاية بعقد تجمع عائلي كبير، لكن يبدو الأمر كما لو أن إرث عائلة الحصادي قد تم محوه".

وأحصت إيمان عزوز، وهي أم تبلغ من العمر 45 عاما، 25 شخصا بعداد المفقودين في عائلتها.

وقالت: "نحن جميعا نعرف بعضنا البعض، لذا فإن الأمر محزن للمدينة بأكملها، وليس مجرد خسارة شخصية".

وتروي أنه خلال الفيضان، ارتفعت المراتب في منزلها بسبب تدافع المياه وكانت رؤسهم تلامس السقف. هرب الأطفال، لكن زوجها توفي عندما غطس في الماء محاولا إيجاد باب يستطيعون الخروج منه.

ويقول غيث الطشاني، الذي قرر ترك درنة والعيش في بنغازي، إن إخوته ربما جرفهم الفيضان نحو البحر، أو ربما غطاهم الطين.

ويتذكر عندما كان يمشي مع العائلة على الشاطئ، أو عندما يتجمع 40 شخصا من أقاربه للاحتفال بعيد الفطر ويقدمون المال والحلوى للأطفال ويطلقون الألعاب النارية.

ويقول: "لا يمكنك أن تتخيل كم كان الأمر رائعا، أن يتصافح الجميع ويقبلون بعضهم بعضا". 

أما الآن، "انتهت درنة بالنسبة لي، مثل كتاب أغلقته".

وتسببت العاصفة دانيال، التي ضربت شرقي ليبيا في 10 سبتمبر، وبشكل خاص درنة، بفيضانات جرفت كل شيء في طريقها، مما أدى إلى انهيار سدين مبنيين منذ السبعينيات.

وارتفع عدد القتلى إلى 3890 شخصا، بحسب أحدث حصيلة صادرة عن لجنة الإشراف على عمليات الإغاثة، التي شكلتها حكومة شرق ليبيا.