كي لا ينتصر الغباء!

تكلّم Merton (1936) على الفعل الهادف الذي يولّد عواقب غير متوقعة وغير مقصودة تتجاوز تلك المقصودة. فالإستراتيجيات نادرا ما تسير كما صُمّمت. ما هو متوقع نادر، وهذا ما يحصل اليوم في العالم والشرق، على عكس ما نعتقد.
 
نتائج الكثير من الأفعال التي شهدناها لم تكن غالبا متوقعة، بدليل التخبط، والتصريحات المتناقضة للرئيس دونالد ترامب وغيره بعيد الأفعال.  
 
العاقبة المخيفة المتوقعة هي تداعي السلام الدائم، بحيث تحلّ الهدن الموقتة ووقف إطلاق النيران وترتيبات توازن القوى اليوم محلّ السلام الناتج من النظام القانوني المؤسسي (Kant, 1795/1992)، بما يقيّد نموّ الاقتصاد.  إنه عالم عدم اليقين وعدم القدرة على تنبؤ ما ستؤدي إليه الأحداث. 
 
الأمم المتحدة التي شكّلت اتحادا للدول (foedus pacificum) بهدف تقليل الاعتماد على الحرب بوصفها أداة، مهددة اليوم. بنيامين نتنياهو متفلت يستكمل استراتيجيات بقائه في السلطة التي تنتج عواقب غير متوقعة.
العالم يغلي والتطرف يتزايد. أما القانون الدولي المبني ليس فقط على الحكمة أو القوة، بل على الأخلاق لمغادرة "حالة الطبيعة" فيتداعى.  
 
لن يتحقق السلام الإبراهيمي ما دام المجتمع الإسرائيلي غير مستعد.  المشكلة ليست عربية. فسلام مدريد اغتيل إسرائيليا باغتيال رابين. والسلام الإبراهيمي لن يتحقق من دون اغتيال الحرب إسرائيليا. 
 
أشعر بأننا غرقنا في سطوة الغباء.  
 
Russell (1933) في "انتصار الغباء"، رأى أنّ الأغبياء الواثقين بأنفسهم يتحكمون في العالم. بينما "الأذكياء النقديون" الأقل ثقة هم على الهامش.  ديموقراطياتنا تكافئ الغباء. فالناس يطمئنون إلى من يبالغ في تقدير معرفته ويتمتع بالبساطة. لا يمنحون الخبراء المترددين (Dunning& Kruger،1999) حظوظا. بنية إعلامنا الحديث تحفز الغباء، وتعاقب الفكر النقدي، والنتيجة تردّ أكبر.  
 
شاشاتنا وبرامجنا السياسية يغزوها ميكي ماوس. انهيار لبنان انعكاس لتراكم عدم الكفاية في مواقع حساسة في مراحل دقيقة. اتخذت قرارات خاطئة، ابتداء من سلسلة رتب ورواتب من دون مؤونة، مرورا بسياسة خارجية غير متوازنة، وصولا إلى سياسات الدعم.  
 
المطلوب تبسيط خطاب الخبراء، وعلى الإعلام عدم تسويق الغباء، وعلى الحكّام رفد الجمهور بما يلزم وليس بما يستهلك.  
 
نعم، فما يلزم في زمن العواقب غير المقصودة وتداعي السلام، وعي!