لاريجاني في بيروت الجديدة

على الرغم من اننا كنا معارضين لاستقبال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة (حتى إشعار آخر رئيس مجلس النواب محسوب على طهران) فإن مقابلة لاريجاني هذه المرة مع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة لم تكن مشابهة للمقابلات التي سبقت بين مسؤولين إيرانيين كبار ورأسي الدولة والسلطة التنفيذية. ثمة شيء تغير في لبنان في العمق. وعلى "حزب الله" ومن خلفه إيران أن يدركا أولا أن العودة إلى الوراء ما عادت ممكنة، وأن التحكم بلبنان على النسق الذي كان قائما صار من المستحيلات، وأن التهديد بالخراب العميم، والتهديد بالإطاحة بالحد الأدنى المتبقي من السلم الأهلي كخيار يفكر به "حزب الله" معناه أن الحزب المذكور قادر على السيطرة من جديد على لبنان والهيمنة على هذا المجتمع المتنوع والمركب.

قد يحاول أن يهدم البلاد على رؤوس الجميع، هذا ممكن لكنه لن يفلت الحزب المذكور ولفيفه من العواقب الوخيمة إذا ما وجه مرة جديدة سلاحه الى صدور اللبنانيين العزل. وفي كل الأحوال على الحزب وإيران التي أوفدت يوم امس السيد لاريجاني لشد أزر "حزب الله" ودعوته إلى الصمود بوجه الحكومة اللبنانية لمنعها من تغليب منطق الدولة وشرعية القانون والمؤسسات العاملة تحت سقف الدستور، عليه أن يقرأ جيدا معنى أن ينفضّ من حوله حلفاؤه التاريخيون وفي مقدمهم "التيار الوطني الحر" وعدد من الشخصيات السياسية من طرابلس والشمال عموماً، إلى بعض الجبل، والبقاع الغربي وبيروت وصيدا وغيرها.

انها رسالة الداخل الذي يقول لـ"حزب الله" بصراحة إن زمن الميليشيا انتهى وإن لبنان يستحق أن يمنح فرصة للتنفس، بدلاً من العيش بصورة دائمة في زمن الحروب و الموت والقتل والغزوات! هذه رسالة الداخل المعارض لمنطق الحزب وللمنطق الإيراني الذي ما دخل داراً في هذا الشرق إلا ودمرها فوق رؤوس أصحابها. انظروا إلى العراق، وسوريا واليمن، وغزة ولبنان. انظروا اليها وقارنوا بين مراحل ما قبل دخول إيران اليها وما بعده.

في مطلق الأحوال نقول إن زيارة السيد علي لاريجاني تأتي للتشويش على قرارات الشرعية اللبنانية، عبر تشجيع الحزب على عدم الامتثال لها والتمرد عليها وإن بطريقة مختلفة عن الأيام الأولى. وكما فرض لاريجاني باسم المرشد علي خامنئي على الحكومة العراقية المنبثقة من "الحشد الشعبي" اتفاقية أمنية على حساب علاقات العراق مع الولايات المتحدة، وتقوم على مبدأ رفض حل "الحشد الشعبي" بعد سحب سلاحه، سيحاول ان يدفع "حزب الله" الى لعب ورقة الوقت، وتمييع القرارات الحكومية، وطرح صيغ التفافية حول قرار "حصر السلاح" من قبيل طرح فكرة إنشاء لواء إقليمي رديف للجيش ويأتمر نظريا بقرار الدولة اللبنانية، أو وضع أسلحة الحزب تحت رقابة الجيش والاكتفاء بتجميدها لمدة عامين. كل ما يريده في لبنان كما في العراق هو الحفاظ على الميليشيات والسلاح إلى أن تعبر المرحلة الصعبة الراهنة.