المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الخميس 11 كانون الثاني 2024 08:16:44
ليس وكيل الامين العام للامم المتحدة جان - بيار لاكروا الأول، ولن يكون الأخير ممن نقلوا ولا يزالون أشد التحذيرات من توسع الحرب والمخاطر المحدقة بلبنان في ما لو انزلق إليها، معطوفة على دعوات متكررة الى التهدئة ودعم الجيش في الجنوب والتأكيد على استمرار التعاون بينه وبين قوة الطوارئ الدولية العاملة هناك.
على مدى يوم كامل من زيارته إلى بيروت، حرص المسؤول الاممي على نقل رسالة اممية واضحة إلى كل من التقاهم من مسؤولين وقيادات عسكرية يعبّر فيها عن القلق الشديد الذي ينتاب الامم المتحدة من ارتفاع احتمالات الانزلاق إلى حرب اوسع تتجاوز قواعد الاشتباك التقليدية، علماً انه لا يخفي امام مَن التقاهم خوفه الشديد مما وصفه بلعبة قواعد الاشتباك التي يمكن ان تدوم طويلاً، وتهدد الاستقرار على المدى الطويل، كما تهدد بالانزلاق في اي لحظة نحو توسيع الحرب.
يبدو واضحاً ان الخشية الاممية تتجاوز المدى القريب أو المنظور، حيث الضغط الدولي يدفع في اتجاه ضبط النفس ومنع التفلّت. ولكن ماذا عن المدى الطويل، وكيف يمكن استعادة الاستقرار المستدام على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، خصوصاً ان العودة إلى ما قبل السابع من تشرين الاول الماضي لم تعد ممكنة؟
عند هذه النقطة، يتصدر القرار الدولي 1701 المشهد والأولوية، علماً ان الامم المتحدة الراغبة في التطبيق الكامل للقرار تدرك ان الجانب العملي يتجاوز القرار السياسي، ليصبح المطلوب تحديد مدى التزام كل فريق بمندرجات القرار. والسؤال في هذه الحال بالنسبة إلى الامم المتحدة ينحو حول دور قوة الطوارىء الدولية في المرحلة المقبلة، كما يتجه بالنسبة إلى القوى المعنية الأخرى إلى مدى التزامها بما هو مطلوب منها، كالانسحاب الاسرائيلي مقابل انسحاب "حزب الله" من جنوب الليطاني، الأمر الذي عبّر عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في حديثه التلفزيوني الأخير.
الثابت ان تنفيذ الـ1701 لا يحتاج تفاوضاً بل التزاماً بالتنفيذ، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى مسألة تثبيت الحدود وبتّ لبنانية مزارع شبعا، فالمطروح ليس ترسيماً كما حصل بالنسبة إلى الحدود البحرية، بل تثبيتاً للحدود اللبنانية المعترف بها دولياً والمسجلة لدى الامم المتحدة.
لا يشعر أيّ من الموفدين الدوليين في محادثاتهم مع المسؤولين اللبنانيين بوعي كامل لحجم المخاطر، أو جهوزية للتعامل معها من موقع قوي. فالمطالب لا تطرحها الدولة بل "حزب الله"، الذي يشكل الوجهة الفعلية للتفاوض. واجهت الامم المتحدة اشكالية في هذا الشأن عند طرح مسألة الأملاك الخاصة على الأراضي التي يعتبرها الحزب ملكاً خاصاً من دون ان يكون هناك تحديد من جانب الدولة او تعريف ثابت لهذا الأمر.
تدفع الامم المتحدة نحو ارساء بداية مسار يؤمّن الاستقرار المستدام، بمعزل عن التسويات الموقتة التي لا تعالج الأزمة بل تطيل أمدها كما هي الحال مع مسألة قواعد الاشتباك التي تحكم المواجهة بين الحزب وإسرائيل.
وأكثر ما تخشاه الامم المتحدة المسار التصعيدي للخروقات المتنامية للقرار 1701 ولتوسع تلك القواعد التي تجاوزت الحدود الجنوبية، وبلغت الضاحية الجنوبية لبيروت، وتستمر بعمليات اغتيال واستهدافات مركزة، لا تطمئن إلى عدم خروجها عن السيطرة وتفلّتها نحو المواجهة الكاملة. فالتطورات الأخيرة لا تساعد الموفدين الدوليين العاملين على خط التهدئة أو تسهل مهمتهم، بل على العكس تعقّدها.
الخشية الكبرى من حرب طويلة تريدها إسرائيل لحساباتها الداخلية، تضع الأمور في مسار الهروب إلى الأمام الذي يشكل السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى لبنان. وكل هذا في ظل عدم وجود جواب شافٍ عن السؤال حول الجهة القادرة على طرح أو ادارة مبادرة، وذلك في ظل غياب وجود رئيس للجمهورية يقود المساعي والجهود. وليس في المشهد إلا رئيس المجلس نظراً إلى ان رئيس الحكومة هو في صفة تصريف الأعمال ولا يتمتع بالسلطة التنفيذية الكاملة. وثمة ادراك خارجي لعجز القوى الداخلية عن انتاج رئيس من دون التدخل او الضغط الخارجي. لذلك يبدو هذا الاستحقاق بعيد المنال، ما لم يدخل بنداً في المفاوضات على التسوية المقبلة. وفي انتظار بت الاستحقاقات الداخلية، يبقى أمن الجنوب في مقدم الاولويات، وليست جولة وكيل الامم المتحدة إلا للتأكيد على اهمية التهدئة، خصوصا ان الخروقات تطاول قوات "اليونيفيل" في شكل متكرر.
السؤال المبرر اليوم عن دور هذه القوات في المرحلة المقبلة، وهي التي تعجز حالياً عن القيام بالمهمات المنوطة بها. فالدوريات التي تسيّرها عرضة للخطر، وان كانت هذه القوات تتخذ احتياطاتها، فتتلافى الحركة خلال القصف، وتكتفي بالرصد والمراقبة، لكنها لن تكون قادرة على الاستمرار على هذه الحال إذا استمرت الخروقات والانتهاكات للقرار 1701، ولم يُحسم الوضع الجنوبي في شكل نهائي، خصوصاً ان حرب غزة غيرت المعادلات والموازين، ولن يكون ممكناً أبدا العودة إلى المعادلات التي حكمت المشهد قبل السابع من تشرين الاول الماضي.