المصدر: المدن
الكاتب: عزة حاج حسن
الأحد 18 أيلول 2022 16:01:52
منذ أن أعفى مصرف لبنان نفسه من أي التزامات تجاه استيراد المحروقات، وفي ظل استقالة الدولة نهائياً من مسؤولياتها في ضبط وتنظيم القطاع، بات اللبنانيون وعموم السكان رهينة كارتيل تجار المحروقات، من مستوردين وموزعين وحتى أصحاب محطات. ويبقى العامل الأساس لاشتعال أسعار المحروقات هو دولار السوق السوداء المنفلت أصلاً.
لطالما استخدم أركان قطاع المحروقات المواطنين لرفع مطالبهم وتحقيق المزيد من المكاسب. الشركات المستوردة سبق لها أن توقفت عن توزيع المحروقات، والموزعون ومعهم المحطات توقفوا عن العمل مراراً. أما اليوم، فالدور على أصحاب المحطات الذين يتّجهون من جديد إلى الإغلاق التام. والسبب هو مطالبتهم بدولرة الجعالة والأرباح.
اليوم، ورغم عدم دولرة جعالة المحطات وأرباح الموزعين، تحلّق أسعار المحروقات وتشكّل ضغطاً هائلاً على المواطنين لا يمكن التخفيف منه على المدى المنظور. فأسعار المحروقات محلياً، وإن كانت متلائمة مع أسعار النفط عالمياً، إلا أنها لا تتلاءم بأي شكل مع القدرة المعيشية للمواطنين والقيمة الحقيقية للعملة المحلية. ولا ننسى تخاذل الدولة عن القيام بواجباتها لجهة غياب النقل العام والخطط التنظيمية له، وعدم تأمين الكهرباء كوسيلة للتدفئة، وغير ذلك من العوامل المخففة لاستهلاك البنزين والمازوت كحاجة ملحّة.
ارتفاع المحروقات
يطيح ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء مقابل الليرة، بما يمكن أن يتركه تراجع سعر النفط العالمي من أثر إيجابي على السوق اللبنانية المستوردة للنفط. فأسعار المحروقات لاسيما البنزين والمازوت، ارتفعت منذ مطلع شهر أيلول الحالي وحتى اليوم بشكل كبير. فارتفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان من 589000 إلى 679000، أي بزيادة بلغت 90 الف ليرة. في حين ارتفع سعر صفيحة البنزين 98 اوكتان من 602000 إلى 695000 ليرة أي بزيادة 93 ألفاً. أما صفيحة المازوت، فارتفعت منذ بداية أيلول من 705000 ليرة إلى 827000 ليرة، أي بزيادة بلغت 122 ألف ليرة.
وفي حين تشير التوقعات إلى تسجيل أسعار البنزين والمازوت المزيد من الارتفاعات في المرحلة المقبلة، توازياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، يصر القيّمون على قطاع المحروقات، لاسيما أصحاب المحطات والموزعين وقطاع النقل، على دولرة أرباحهم، باعتبار أنهم يسدّدون للشركات المستوردة ثمن البضاعة بالدولار الأميركي، ويتقاضون ثمنها من المستهلكين بالليرة اللبنانية.
استنزاف للمواطنين
لا شك أن سداد ثمن البضائع بالدولار وبيعها بالليرة يُلحق الأذى بمصالح المحطات والموزعين، لاسيما في ظل الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار. وهذا ما دفع بوزارة الطاقة إلى قطع وعد للقيمين على قطاع المحروقات، حسب المعلومات، بوضع جدول تركيب أسعار مرتين في اليوم، وكلّما دعت الحاجة، تماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، غير أن ذلك لم يحصل.
نكث الوزارة بما وعدت به لأصحاب المحطات والموزعين، دفع بالكثير منهم إلى التوقف عن العمل والمطالبة بدولرة التسعير بشكل تام، أو سداد ثمن البضاعة بالليرة، بمعنى أن تصبح عملية البيع والشراء للمحروقات بين المحطات والمستوردين بعملة موحدة.
ونظراً لاستحالة إقناع المستوردين بسداد ثمن البضائع لهم بالليرة، طالما ان عملية الاستيراد تتم بالدولار حصراً، باتت الخيارات محصورة بدولرة عملية البيع للمستهلك فقط، وهو ما تبحث به وزراة الطاقة حالياً.
مع الإشارة إلى أن سعر صفيحة البنزين يبلغ حالياً نحو 15 دولاراً واصلة إلى الأراضي اللبنانية، من دون احتساب إيجارات النقل وجعالة المحطات، في حين يفوق سعر صفيحة المازوت 21 دولاراً، بعد إضافة الإيجارات والرسوم والجعالة، فيتجاوز سعر صفيحة البنزين 18 دولاراً، في حين يتجاوز سعر صفيحة المازوت 23 دولاراً.
أما افتقاد السياسات الحكومية في لبنان لخطط النقل العام، وتأمين خدمات البنى التحتية، لاسيما الكهرباء، فذلك يجعل من المشتقات النفطية حاجة ملحة للمواطنين ومنهم الفقراء، على مدار العام. فلا يمكن الاستغناء عن السيارات الخاصة لغياب النقل العام. كما لا يمكن الاستغناء عن المازوت والغاز للتدفئة في ظل غياب الكهرباء.
وكيف يمكن لـ70 في المئة من اللبنانيين الذين انزلقوا إلى خط الفقر، تأمين 5 براميل (سعة البرميل 10 صفائح أي 200 ليتر) من المازوت بالحد الأدنى خلال موسم الشتاء لسكان الجبال، أو 4 قوارير غاز منزلي لسكان السواحل شهرياً، والبنزين لتأمين التنقلات إلى العمل والمدارس والجامعات. باختصار، يشكّل ملف المحروقات ودولرة أسعاره الضاغط الأكبر على كاهل المواطنين اللبنانيين والمستنزف الأول لقدراتهم الشرائية.