المصدر: النهار
الكاتب: عباس صباغ
السبت 6 نيسان 2024 07:33:27
يشارك لبنان في مؤتمر بروكسيل الشهر المقبل من دون ان يبني الآمال على متغيرات في المواقف الدولية التي ترفض عودة النازحين السوريين الى ديارهم. فماذا اقترح وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار قبل الذهاب الى ذلك المؤتمر؟
في أحد مخيمات النزوح السوري يتباهى رجل خمسيني بانه متزوج من اربع نساء وان لديه 28 ولداً، وخلال حديث صحافي، يأتيه خبر ولادة ابنه الـ29، فيزفّه لمحدثيه. وفي ذلك نموذج عن الأعداد المطّردة للنازحين السوريين في لبنان وكيف ستكون عليه الاحوال بعد خمس أو عشر سنوات. كل ذلك لا يدفع في اتجاه مواقف حاسمة بشأن الازمة التي ستغيّر حتماً وجه لبنان.
تنظير مملّ
لم تعد المواقف بشأن ازمة النزوح السوري تستحق الاهتمام، ولا سيما انها تتكرر ولا تحمل جديداً، وكذلك لا تحمل أي آلية عملية لتطبيق "التنظير" الذي يسيطر على مواقف بعض المسؤولين بشأن تداعيات ازمة النزوح.
فقبل اكثر من عام سمعنا ان السلطات اللبنانية ستطبق القوانين المرعية على النازحين السوريين، وانها ستتصرف وفق المصلحة الوطنية لمنع ازدياد اعداد النازحين، وكذلك اعادة من لا يحملون صفة نازح الى بلادهم. اما الشق الآخر فكان يتعلق بخطة العودة بالاتفاق مع الحكومة السورية، وتردد آنذاك ان دمشق ستستقبل نحو 180 الف نازح كدفعة اولى، ومن ثم تنظم قوافل العودة لتخفيف الاعداد تدريجاً.
عملياً ظل كل ذلك كلام بكلام، والانكى ان اعداد النازحين ارتفعت مع موجات التهريب غير العادية التي شهدتها الحدود مع سوريا ولا سيما الحدود الشمالية، الى حد ان قائد الجيش العماد جوزف عون قال ان "النزوح السوري بات يمثل خطراً وجودياً على لبنان"، وذلك بحسب ما نُقل عنه في لقاء موسع في السرايا الحكومية العام الفائت.
الخطر يتفاقم ولا خطوات حكومية مفيدة
وفي ظل تفاقم الخطر واتساعه، لا تزال الحكومة تدرس خطواتها مع تعذر تأليف لجنة حكومية لبحث الازمة مع دمشق وتهيّب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من التواصل مع نظيره السوري لإيجاد مخارج للازمة.
كل ذلك فيما يحاول الامن العام اعادة تنظيم رحلات العودة الطوعية للنازحين على غرار الرحلات التي شهدها لبنان قبل جائحة كورونا وأفضت الى اعادة اكثر من 450 الف نازح سوري الى ديارهم. بَيد ان اعداد السوريين الذين وصلوا الى لبنان خلال السنتين الاخيرتين ربما يفوق أعداد المغادرين من دون احتساب أعداد الولادات الجديدة.
وفي السياق يقول الوزير حجار لـ"النهار" انه "يجب التمسك بشروط لبنان في مسألة النزوح السوري، واتخاذ موقف تاريخي قبل انعقاد مؤتمر بروكسيل، والتمسك بالورقة التي قدمت للجنة النازحين وفيها المسلّمات التي يعين على لبنان اعتمادها والتشديد عليها بدءاً من تصنيف النازحين وصولاً الى الهجرة عبر البحر مروراً بضرورة مساعدة لبنان لوقف النزوح عبر البر".
ويلفت حجار الى ان الورقة التي رفعها الى الامانة العامة لمجلس الوزراء تشكل خريطة طريق للتعاطي مع ازمة النزوح، ولا سيما ان "الفرصة اليوم مؤاتية مع اعتماد المجتمع الدولي سياسة خفض المساعدات المخصصة لمعالجة أزمات هذا النزوح وتداعياته على المجتمع اللبناني المضيف، ففي شهر كانون الأول الفائت خفضت المفوضية السامية للاجئين المساعدات إذ سحبت 88600 أسرة سورية من قائمة المستفيدين من برامج المساعدات النقدية الشهرية، وترافقت هذه الخطوة مع خفض التمويل المخصص لبرنامج الاستجابة للاسر الأكثر فقراً الذي تديره وزارة الشؤون الاجتماعية من 147 مليون دولار إلى 33.3 مليون دولار".
ويشير حجار الى ان الخطة الموعودة في الشهر المقبل ستفضي الى شطب 35 ألف أسرة سورية إضافية من برامج القسائم الغذائية.
وفي ذلك التخفيض تكمن الفرصة المساعِدة للبنان للدفع في اتجاه تخفيف تداعيات ازمة النزوح عليه طالما ان كل المحاولات السابقة لم تصل الى نتيجة، وطالما ان المواقف الخارجية لا تزال على حالها وترفض عودة النازحين السوريين.
الى ذلك، تكثر الدعوات الى الحكومة لاتخاذ المواقف التاريخية قبل فوات الاوان، ولكن يبدو ان لا مواقف وازنة ستصدر في غياب أي جرأة لبنانية في التعامل مع هذا الملف الوجودي.
واذا كان لبنان غير قادر راهناً على فرض وجهة نظره بشأن عودة النازحين، فهل من مبرر لعدم تطبيق القوانين على النازحين طالما ان مؤتمر بروكسيل لن يحمل جديداً بما يتصل باعادتهم الى بلادهم؟
يشير الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين الى ان "من المبكر الحديث عن مؤتمر بروكسيل ونتائجه، وخصوصاً ان القرار الدولي لم يتغير، ولا تزال الارادة الدولية بضرورة بقاء السوريين في لبنان حتى إشعار آخر". ويلفت في اتصال مع "النهار" الى ان "على الدولة اللبنانية التعامل مع هذا الملف وفقا للمصلحة الوطنية وبهدف تنظيم هذا الوجود، لان الفوضى الحالية تحمل خطراً أمنياً وضرراً اقتصادياً ولا يمكن للبنان ان يتحمل نتائج استمرار الوضع على ما هو".
ويعطي شمس الدين امثلة كثيرة عن مخالفة النازحين السوريين القانون في ظل غياب واضح لتطبيق القوانين والانظمة المرعية الاجراء، ويشير الى اهمية دور البلديات والأمن العام في تنظيم الوجود السوري. ومن تلك الامثلة ان شرطي السير لا يطبق القانون على النازحين عندما يشاهد سورياً يستخدم دراجته النارية لنقل أفراد أسرته على تلك الدراجة، واحيانا يكون عدد الركاب 5 أو 6 افراد فيما القانون في سوريا يمنع استخدام الدراجة النارية لاكثر من شخصين، ويشترط وجود الخوذة لدى السائق ومرافقه. فكيف لا يطبق القانون على تلك الظاهرة التي تعم المناطق اللبنانية؟
هي ازمة النزوح التي لا حل قريبا لها، ويذهب بعض المتشائمين الى الركون الى معادلة مفادها ان لبنان بعد عشر سنوات سيخسر "لبنانيته" عندما تصبح أعداد النازحين مساوية أو تفوق أعداد اللبنانيين.