لا وقت ولا مكان ولا مطالب لعمّال لبنان للاحتفال بعيدهم

لم يأتِ عيد العمّال العالميّ في الوقت المناسب هذه السنة. فالمسيحيّون سيكونون مشغولين يوم الأحد في أوّل أيّار، بالقداديس وما يسبقها وما يتبعها. وبالكاد انتهوا من الاحتفال بقيامة المسيح الذي منه يستمدّون رجاءهم في الخلاص من عذابات هذه الدنيا. والمسلمون سيكونون مشغولين أيضًا يوم الأحد، إمّا بالاحتفال بعيد الفطر، أو بترقّب الهلال. قلوبهم ستكون مأخوذة بمعاني المناسبة الدينيّة، ولن يكترثوا لمعاني المناسبة التي يشكّلها عيد العمّال العالميّ.

لم يكن من "مصلحة" عيد العمّال العالميّ، وهو الذي يبني خطابه على تضارب المصالح، أن يحلّ في زمن زحمة الأعياد الدينيّة، فهو سيهمّش تلقائيًّا، ولن يجد إلّا القليل من البشر الذين سيلتفتون اليه والى ما يمكن أن يحمل معه من أمل في تغيير أوضاعهم المعيشية المأسويّة.

حتّى أنّ فكرة "الجوع" المواكبة عادة لهذا العيد كمشكلة من المشكلات التي يعيشها العمّال الفقراء، ستبدو مبتذلة بعد أن أنهى المسيحيون صيامهم منذ مدّة قصيرة فيما انقضى للتوّ شهر الصيام عند المسلمين. فقد جعلوا من الجوع مطلبًا توسّلوا من خلاله رضى الله.

ثمّ، في أيّ مكان سيحتفلون بعيد العمّال؟ أمكنة النقابات فرغت من عمّالها، الذين إمّا لم يعرفوا يوماً التنظيم النقابي وإمّا التحقوا بنقابات أحزابهم المذهبيّة التي لا تناسبها إلّا الأعياد الدينيّة أو الحزبيّة المطعّمة بنكهة دينيّة.

ربما سنشهد بعض الاحتفالات ينظّمها كالعادة الاتّحاد العمّالي العام أو الاتحاد الوطني للنقابات أو منظّمات أخرى. احتفالات الاتحاد العمّالي العام يغلب عليها الطابع الحزبي والمذهبي، واحتفالات الاتحاد الوطني للنقابات يغلب عليها أيضًا الطابع الحزبي. في الاحتفالين سيغيب العمّال الذين سيتكلّم باسمهم الخطباء، وربما جرى ملء الفراغ في احتفال الاتحاد الوطني للنقابات بحضور العاملات الأجنبيات، عاملات المنازل تحديدًا، اللواتي ساهم الاتحاد الوطني في تنظيمهنّ نقابياً بمساعدة منظّمات دوليّة.

حتى أنّ التسمية "عيد العمّال" بات معناها مشوّشاً بالنسبة للبنانيين. فالعمّال أصبحوا عاطلين عن العمل أو أصبحوا يُعرفون كفقراء وليس كعمال. كان بعضنا في السابق يحتجّ على البعض الآخر لتسميته "عيد العمّال" بـ"عيد العمل"، رفضاً لأنّ العيد يشمل العمّال وأصحاب العمل معًا، أو منعاً لاعتباره عيداً لـ"نشاط العمل" وليس لـ"الطبقة العمّاليّة". أصبح الجميع اليوم، ولو بدون إعلان صريح، يتمناون إيجاد مناسبة للإحتفال بـ"العمل" كنشاط يحتاجه العمّال وأصحاب العمل لانتشال الشعب اللبناني من حالة الانهيار التامّ.

عيد العمّال العالمي يذكّر بتظاهرة عمّاليّة حصلت سنة 1886 في شيكاغو وسقط فيها عمّال بنار قوى الأمن وجرى بعدها إعدام قيادات عمّاليّة. شعار التظاهرة كان "8 ساعات عمل، 8 ساعات راحة، 8 ساعات نوم". عمّال العالم الصناعي تجاوزوا اليوم هذه المطالب وحقّقوا إنجازات كثيرة بفضل نضالات نقاباتهم وأحزابهم اليساريّة.

لكن أين عمّال لبنان اليوم من هذه المطالب؟

عمّال لبنان يقبلون بالعمل أقلّ أو أكثر من ثماني ساعات يوميًّا بأجور منخفضة، بسبب الانهيار المالي والاقتصادي، وخياراتهم تبدو معدومة في التأثير في عدد ساعات العمل. الضغوط الاجتماعية والهموم اليوميّة و"القلّة" لا تسمح لهم لا بالإفادة من 8 ساعات راحة ولا بالنوم الهنيء لأكثر من ساعات قليلة.

الاحتفال بعيد العمّال العالمي هو تذكير لعمّال العالم بأنّ النضال العمّالي هو الذي أدّى الى تحسين ظروف العمّال في العالم. كم هو صعب ومؤلم أن يتذكّر عمّال لبنان هذا الدرس التاريخي وهم ينتظرون بشبه استسلام مشاريع الإغاثة التي يعدونهم بها من كلّ حدب وصوب.