لبنانيون في بلدات حدودية مع سوريا يترقّبون بحذر: الجيش الضمانة الوحيدة

لطالما كانت المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا مسرحاً لتداخل معقّد بين الجغرافيا والسياسة والتاريخ. واليوم بعد سقوط نظام الأسد الذي حكم سوريا لعقود، يواجه أهالي هذه المناطق تحديات غير مسبوقة تُعيد تشكيل واقعها السياسي والأمني والاقتصادي. نجس النبض فيها، ونلمس تصميماً على التمسك بالأرض والصمود... اياً يكن الوضع. 

"لطالما تعرضنا، نحن أهل القاع لهجمات عديدة من أيام أهلنا وجدودنا بهدف التخويف التهجير، إلا أننا لم نترك ضيعتنا الحدودية يوماً". هكذا يعبّر الشاب إيدي عن تمسّكه وأهل بلدته، القاع، بأرضهم، التي تقع في البقاع الشمالي على الحدود مع سوريا.

لم يختلف الأمر بالنسبة إليهم أخيراً، بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة قوى المعارضة على مرافق الدولة، ومن بينها منطقة الحدود مع لبنان. ويقول في حديث لـ"النهار" إن الجيش اللبناني "لم يكن موجوداً منذ مئات السنين، وبقينا متمسكين بأرضنا، فكيف الحال حين يكون هناك جيش وطني متمركز على الحدود، نثق به وبقدرته على حمايتنا؟ جيشنا هو الضمانة الحقيقية والضمانة الوحيدة لنا إلى جانب قديسينا".

ترقّب قَلِق

في ظل صراع النفوذ الإقليمي وتصاعد الأزمات المحلية، يجد سكان المناطق الحدودية أنفسهم مرة أخرى في قلب العاصفة. فمن ناحية، هناك من يخشى أن تُحوّل الفوضى السورية هذه القرى ساحة صراع بين الأطراف المتنازعة للسيطرة على الحدود والمعابر. ومن ناحية أخرى، ثمة من ينظر إلى الوضع بتفاؤل ويأمل أن يُشكّل سقوط النظام السوري فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين لبنان وسوريا على أسس جديدة تحترم سيادة الدولتين وتفتح آفاقاً للتعاون الأمني والاقتصادي المنظم. إلا أن المشهد حتى الآن لا يزال ضبابياً وليست فيه شؤون محسومة حتى الآن.

"الوضع حتى الآن في عرسال جيد جداً، إذ لم نرَ أو نسمع أي تجاوزات من أي طرف منذ سقوط نظام الأسد، والجيش أتاح تسهيلات كبيرة لعودة النازحين السوريين الراغبين في العودة إلى بيوتهم وكانوا مهجّرين بسبب تهديد النظام السوري لهم"، يشرح حسين كرنبة، أحد مخاتير بلدة عرسال، المشهد الحدودي في عرسال، مؤكدا أن الجيش يضبط الحدود منعاً لتكرار حدوث توترات كالتي حصلت في هذه المناطق خلال ما سمّي "معركة فجر الجرود".

ويعبّر كرنبة عن فرحة الأهالي بهذا التغيير الجديد بسبب "التوترات التي تسبّب بها النظام السوري السابق في المنطقة"، مضيفاً أن لا كلمة تعلو قرارات الجيش اللبناني، وبالتالي لم تحصل اتفاقات مباشرة مع أي طرف من الأطراف الموجودة على الحدود. "نحن في عرسال لا نريد إلا الحياة الكريمة والآمنة مع محيطنا وجيراننا من كل الأطراف، ونحن استقبلنا اللاجئين وأصبح بيننا تآخٍ وتقارب غير مسبوقين".

المواطن صالح عامر من منطقة مشاريع القاع يؤكد لـ"النهار" أن الوضع  طبيعي جداً على الحدود مع سوريا وأن أحداً لم يترك منزله من الجهة اللبنانية حتى الآن، بل من ترك منزله سابقاً بسبب بعض الأحداث عاد إليها، لافتاً إلى أن عناصر من المعارضة السورية التي أسقطت النظام ساعدوا من يرغب بالعودة إلى سوريا، وهم موجودون داخل الأمانات فقط ولا وجود مسلّحاً لهم داخل المنطقة.

الأمر نفسه يؤكده أحمد الحسن من بلدة العقيبة لـ"النهار"، وهو يقطن قرب معبر قمار، مشيرا الى أن الأمور طبيعية بالكامل وحركة النزوح كثيفة تجاه سوريا مع تسهيلات من الجيش اللبناني، وحركة الحياة اليومية للأهالي طبيعية أيضاً.

تحركات حذرة في بعض المناطق

بتاريخ 15 كانون الأول، أبلغت عائلة شاب لبناني يدعى حسين نبيل الموسوي (25 عاماً)، وهو من بلدة النبي شيت، عن تعرّضه للخطف أثناء قيامه بتوصيل عائلة سورية إلى الحدود السورية- اللبنانية، متّهمين فصائل المعارضة السورية في منطقة الكفير بخطفه، مناشدين قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع النظر في القضية. إلا أن الأجهزة اللبنانية لم تصرّح بشيء عن سبب اختفاء الشاب أو الجهة الخاطفة في حال وجود ثبت أنه مخطوف.

وفي اليوم نفسه، تناقلت وسائل إعلام محلية خبراً عن اشتباكات بين مسلحين وأفراد ينتمون إلى عشائر لبنانية في قرية حاويك، التي تقع ضمن قرى حوض العاصي المتاخمة للحدود اللبنانية- السورية في منطقة الهرمل.

وتؤكد مصادر خاصة لـ"النهار" أن اشتباكاً اندلع بين مهرب سوري من "عرب المكالدي" ومهربين من آل زعيتر وجعفر، وقد جرى التواصل مع لجنة من "هيئة تحرير الشام" ووجهاء العشائر الشيعية اللبنانية، مما أسفر عن تسوية الخلاف.

وفي 17 كانون الأول، أعلنت إدارة العمليات العسكرية، في بيان، أنّ "ألوية عدة تابعة للجيش الوطني السوري توجّهت إلى القرى الحدودية الواقعة في ريف القصير الغربي، وهي: حاويك، زيتا، الفاضلية وعدد من القرى الأخرى".

وقال البيان إن "هذه المناطق تقع ضمن الأراضي السورية، ويقطنها سكان يحملون الجنسيتين السورية واللبنانية، وينحدر قسم كبير منهم من عناصر ميليشيات حزب الله اللبناني، التي سبق أن شاركت في الهجوم على مدينة القصير إلى جانب النظام السابق".

وخلال العملية، قامت قوات "الجيش الوطني السوري" بتمشيط هذه القرى الحدودية وصولاً إلى نقاط قريبة من الحدود اللبنانية. وأسفرت العملية عن نزع بعض الأسلحة من السكان المحليين، وسط حالة من التوتر في المنطقة. في المقابل، فرّ معظم السكان إلى لبنان، بخاصة أولئك الذين يُعتقد بأنهم ينتمون إلى "حزب الله".

وفي اتصال لـ"النهار"، يفيد مصدر مطلع بأن لا حوادث توتر أو اشتباكات مسلّحة سجّلها الجيش اللبناني ضمن الأراضي اللبنانية، بل عزّز الجيش انتشاره الأمني لحماية الحدود ومنع التعديات من أي طرف، عبر زيادة عدد الدوريات والحواجز، متيحاً للنازحين السوريين العودة إلى منازلهم عبر معابر غير شرعية تحت إشرافه تسهيلاً لعودتهم.

وينفي المصدر حصول أي اتفاق مع فصائل المعارضة السورية.

وعن حالة الأهالي عموما في بلدات الهرمل وقرى حوض العاصي، يقول رئيس اتحاد بلديات الهرمل ناصر الهق في اتصال بـ"النهار" إن الأهالي يترقبون الأحداث بحذر، لكن ليس ثمة خوف حقيقي، إذ لم تحصل توترات تذكر في المنطقة. إلا أن اللبنانيين الموجودين في المناطق السورية تركوا منازلهم منذ سقوط النظام واتجهوا نحو المنطقة اللبنانية. أما القرى اللبنانية فلم تشهد حالة نزوح تذكر.

وتقول المواطنة إيمان من مدينة الهرمل إن أهالي المناطق الحدودية هناك تركوا منازلهم خوفاً، إذ حصلت تجاوزات، وثمة من خسروا منازلهم بعدما حرقتها جماعات مسلحة، وهو ما أثار توتراً في المدينة بأكملها، وسط حالة من الانتظار والترقب، خصوصاً مع الاختلافات السياسية بين بعض الأهالي وقوى المعارضة السورية.

الحالة العامة "غير مطمئنة"

"الوضع لم يستقر حتى الآن بشكل كلي، فلا نعرف حتى الآن من هم الموجودون من الناحية السورية، والدخول والخروج عبر الحدود يحصل من طرق غير شرعية"، يقول رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ"النهار"، متحدثاً عن الأوضاع على الحدود مع سوريا، شارحاً ما آلت إليه الأمور بعد سقوط النظام.

وإذ يصف الحالة العامة بـ"غير المطمئنة" على الأقل في الوقت الحالي، يلفت إلى أن "الجيش موجود ويتابع، وهو الضمانة الوحيدة، ولكن الدخول والخروج يبقى عشوائياً".

ويتابع: "نحتاج إلى مزيد من الوقت لتتضح الأمور وتصير هناك مرجعية محددة للدولة السورية للتنسيق معها والحصول على الأمان التام، خصوصاً أن هناك خلافاً بشأن أراضٍ يسكنها لبنانيون وتقع ضمن الأراضي السورية. نثق بالجيش اللبناني وبقدرته على حمايتنا، ولكن نحن بحاجة لقرار سياسي لحماية الحدود، والاتفاق على الأراضي التي أخذها النظام السوري سابقاً. وبشأن تمسك الأهالي ببلدتهم القاع، فنحن لن نترك أرضنا تحت أي ظرف، وسندافع عنها ضد أي معتدٍ إذا اقتضى الأمر، وسنحمي أرضنا وأرض عرسال والهرمل وكل مناطق محافظة بعلبك- الهرمل. لقد تعلّمنا من تجاربنا السابقة، من المجازر التي ارتكبها النظام السوري السابق بحق أهالي القاع عام 1978 والتفجيرات الثمانية التي حصلت خلال أحداث فجر الجرود وغيرها. لذلك لن نترك حقنا في الأرض وفي القضاء لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بحقنا".

وهل حصل أي تواصل مباشر مع عناصر المعارضة السورية؟ ينفي مطر هذا الأمر، مؤكّداً أن "الحديث يجب أن يحصل بشكل رسمي بين الدولة اللبنانية والدولة السورية بحكمها الجديد. ونحن متفائلون بسقوط النظام. فلا أسوأ من نظام الأسد للبنانيين والسوريين، ونأمل أن تصبح هناك دولة ذات سيادة وقوانين، وأن نستطيع التواصل معها لإعادة البحث في الاتفاقيات في ما يتعلق بالحدود وسبل التعاون الاقتصادي التي ستعود بالفائدة على البلدين".

وفي موضوع النزوح خوفاً من التوترات، يفيد مطر بأن بعض الأشخاص ترك منازله في الأيام الأولى لسقوط نظام الاسد، ثم عاد بعد أيام إذ لم يحدث ما يستدعي الهلع".

وفي قلب هذه التوترات، يواصل سكان القرى الحدودية حياتهم المعقدة التي تتسم بالتحديات اليومية والقلق الدائم مع كثرة التغيرات السياسية.