المصدر: المدن
الكاتب: غادة حلاوي
السبت 29 آذار 2025 01:47:49
شكلت الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عنواناً للمرحلة الجديدة. قالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستهاجم أي مكان في لبنان يمثل تهديداً لها. فتح مجال العدوان على وسعه بلا حسيب أو رقيب. في المعلومات التي توافرت للجهات الرسمية اللبنانية، أن العدوان الإسرائيلي سيستمر تصاعدياً من دون حدود. وما المتوقع من حكومة ضاعفت ميزانيتها لتغطية نفقات الحرب في لبنان وغزة. ما يمكن تفسيره على أن إسرائيل لن توقف حربها بسهولة وهي نالت تفويضاً ودعماً دوليين، عبرت عنهما الولايات المتحدة الأميركية في سلسلة مواقف لنائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، التي استبقت زيارتها القريبة إلى لبنان بتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية، وطالبت كما وزراة خارجية بلادها الجيشَ اللبناني بالحسم.
وقد تزامن العدوان الإسرائيلي على لبنان مع موقف أميركي متجدد، عبرت عنه أورتاغوس التي قالت إنه حان الوقت للانتقال إلى مستوى التبادل الديبلوماسي في العلاقة بين لبنان وإسرائيل، وأن لبنان وافق على هذا المستوى في العلاقة، وأن الرئيس اللبناني يدعم المفاوضات الدبلوماسية، في وقت لم ينف لبنان مثل هذا الكلام. أكثر من دليل يظهر أن الدولة اللبنانية بكل أركانها على علم بالطلب الأميركي حيال العلاقة الديبلوماسية، وحتى الثنائي الشيعي يعلم بما بدأ طرحه في أعقاب الاتفاق على وقف النار. لكن لا أحد على ما يبدو يملك قدرة المصارحة في هذا المجال.
ديبلوماسية الدولة وتكرار العدوان
لا أسباب تخفيفية للدولة، والترتيبات المتفق عليها في الاتفاق ربما كانت تنص على مستوى من العلاقة الديبلوماسية ضمن سلة كاملة متكاملة، كان ضمنها انتخابات الرئاسة والحكومة. بدءا من أيلول إلى تفجيرات البيجر وصولاً إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بات لبنان بموقع الضعيف. ما يعني أن على الحكومة أن تقوم بواجباتها، وهو يتكل لأول مرة على دبلوماسية الدولة. لكن الديبلوماسية لم تردع إسرائيل ولا اتصالات لبنان الدولية التي يجريها في أعقاب كل عدوان. وقد كان لافتاً غمز رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، في كلمته أمس في حفل السفارة الايرانية، من قناة الحكومة بقوله إن الحكومات تصبح من الماضي وليس المقاومة. وهو ما يمثل رداً غير مباشر على كلام رئيس الحكومة نواف سلام بأن معادلة جيش وشعب ومقاومة باتت من الماضي.
هذا كله لا ينفي أن موازين القوى منحت الفرصة لإسرائيل منذ أيلول ولغاية اليوم لأن تستخدم الميدان ساعة تريد وتبرهن عن ذلك وسط صمت دولي مطبق. يقول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إنه سيتصل بنظيره الأميركي دونالد ترامب للمعالجة، ويتهم إٍسرائيل بعدوان من طرف واحد، فيأتيه الرد بموقف أميركي يغطي العدوان ويتهم لبنان بخرق الاتفاق، في إصرار على تغطية العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان.
لم يعد لإسرائيل حاجة لأن تبرر لماذا تضرب لبنان، بينما بات يتوجب على لبنان ومن وجهة نظر أميركية إسرائيلية أن يبحث عن مبرر لعدوانها ويعالج أسبابه وأن على الجيش اللبناني أن يفعل ذلك. وقد تحدث نتنياهو عن تغيير في المعادلات. يحصل كل ذلك وسط صمت عربي ودولي وكلام أميركي صريح لجهة ضرورة الانتقال إلى المفاوضات الديبلوماسية، وقد بات واضحاً أن الوضع الميداني جزء منه. أطلقت الصواريخ مجهولة الهوية ووسعت إسرائيل عدوانها على مسافة ساعات من الإعلان عن دخول السعودية على خط ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. أي أن مسألة الحدود الجنوبية ليست شأناً عربياً بل شأناً ترعاه الولايات المتحدة وفرنسا.
تدمير السلاح ولو بالقوة
معادلة قاسية أن يكون لبنان تحت النيران، وتثبّت إسرائيل احتلالها للنقاط الخمس وتُمنح الحق المطلق باختراق الأجواء اللبنانية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال مرورا بالبقاع والحدود اللبنانية مع سوريا. كل ذلك يأتي ضمن سياق ناتج عن التدهور الدراماتيكي الذي بدأ في أيلول، وشن حرب هدفها القضاء على حزب الله نهائياً وتدمير سلاحه، وإلزام لبنان الذهاب إلى مفاوضات ديبلوماسية لتثبيت اتفاق الهدنة، والتوصل لاحقاً إلى اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل تسعى إليه الولايات المتحدة ولو بالقوة.
كيف سيواجه لبنان هذا الواقع؟ صعب جداً. فالموقف اللبناني يتكل على فرنسا وأميركا للجم إٍسرائيل. يواجه لبنان الرسمي بالتسليم ويعترض بالمبدأ ولا يمنح نفسه حق الدفاع عن النفس ولو على سبيل التهديد، بل يتعاطى على قاعدة لا حول ولا قوة، بما يؤكد أن لبنان بات أسير معادلة جديدة عنوانها التخلص نهائياً من المقاومة والانتقال إلى الديبلوماسية وصولاً إلى اتفاق سلام يعتبره ترامب مشروعه المستقبلي في المنطقة. وكل ذلك سيتحقق بالنار والضغط في الميدان والسياسة وتأخير ورشة الإعمار وحجب المساعدات.