المصدر: الانباء الكويتية
الكاتب: ناصر زيدان
الاثنين 30 تشرين الأول 2023 02:11:15
بينما يعتبر البعض أن لبنان هو الساحة الأقوى في الحرب الدائرة في المنطقة، يتفق عدد من قادة الرأي والمتابعين على أن العكس هو الصحيح، ولبنان في واقعه الحالي يشكل نقطة ضعف يمكن أن يصاب قبل غيره، وقد يصبح ساحة مستباحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وربما يصل الأمر الى حد التفاهم عليه كمكان لإبعاد القيادات الفلسطينية، وجزء من النازحين الذين قد يضطرون لمغادرة قطاع غزة.
العدوان الإسرائيلي غير المسبوق الذي يستهدف المواطنين والمنشآت المدنية على اختلافها في قطاع غزة، يحتمي بقرار من دول كبرى لديها طموحاتها ومشاريعها الجيو-استراتيجية، وهي لم تتحرك بهذه الاندفاعة القوية المؤيدة للهجمات التدميرية الإسرائيلية لمجرد أن عملية نفذتها مجموعات فلسطينية ضاقت ذرعا من سجنها المحكم، ضد المحتلين في غلاف قطاع غزة المحاصر، وصودف وجود مدنيين في مواقع قوات الاحتلال، بل يمكن القول إن هذه الدول استفادت من اللحظة للوثوب الى مربع جديد، يمكن له أن يساعد في إعادة خلط الأوراق، وفي رسم خريطة نفوذ جديدة في الشرق الأوسط. وكانت العملية فرصة لإسرائيل لتجاوز مشكلاتها الداخلية، وللشروع بتنفيذ حلقات جديدة من مخططها لإقامة «إسرائيل الكبرى» وفقا لمقاربة ميثولوجية لا تستند الى أي أساس ديني أو تاريخي.
كان يمكن للقوى الغربية المؤيدة للعدوان الإسرائيلي أن تسعى لتحقيق سلام شامل ودائم في المنطقة، لاسيما بعد أن فتحت قمة بيروت العربية في العام 2002 كوة في جدار الانسداد السياسي، وأيدت المبادرة التي استندت على مبدأ الأرض مقابل السلام، وإقامة دولتين مستقلتين للفلسطينيين وللآخرين. لكن يبدو أن قوى دولية وإقليمية تريد توفير ظروف مناسبة لتوسيع مدى نفوذها، او لاستخدام الشرق الأوسط كساحة منازلة للمقايضة عليها في الحسابات الكبيرة.
يقع لبنان على فالق زلازل سياسية مخيفة، وهو معرض على الدوام للاهتزاز، بسبب الركاكة الداخلية التي تعيشها مؤسساته الدستورية من جراء اعتمادها على توافقية تخضع لمزاج الجماعات الحزبية والطائفية، أكثر مما تخضع لمعايير القانون والدستور. وهو احتضن مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على مدى العقود الماضية، بينما هو الأصغر مساحة بين أشقائه العرب المحيطين بساحات التوتر، لاسيما بسورية وبفلسطين. وهو يئن تحت ضغط حمل ثقيل من جراء وجود ما يزيد عن 2.5 مليون نازح على أرضه، يعادلون حوالي نصف عدد سكانه الأصليين، كما أنه يعاني من وجود إشكالية سياسية وأمنية ناتجة عن مقاومة مسلحة شرعت لها ظروف الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، لكنها تحولت مع الوقت الى طرف له استقلاليته الكاملة عن باقي فئات القوى اللبنانية وعن مؤسسات الدولة، ولها صداقات مع قوى خارجية وتتأثر بتوجهاتها، وهناك فئات كبيرة جدا من اللبنانيين يختلفون معها الى حد العداوة أحيانا. ويعتبر محور الممانعة أن المقاومة عامل قوة يحصن لبنان في وجه العدوان الإسرائيلي، وبينما ترى القوى المعارضة أنها عامل ضعف تستدرج العدوان، وتفتح اعتمادات سياسية لقوى خارجية للتدخل بالشؤون اللبنانية.