لبنان العالق على طريق المطار يحتاج إلى أكثر من مطار

لبنان أسير طريق المطار، هكذا يبدو مراراً وتكراراً. كلما ساءت العلاقة مع سوريا، وصار تشدد على المعابر، لا يجد لبنان متنفساً له على العالم إلا المطار. مطار رفيق الحريري الدولي. وقد حمل اسم الرفيق بعدما خاض معارك لإعادة إعماره إثر الحرب. وحاربه خصومه في السياسة مدعين أن لا حاجة للبنان إلى مطار بهذا الحجم، يستوعب نحو ستة ملايين مسافر في السنة. وشق الحريري أوتوستراداً جديداً يربط العاصمة بالمطار، بعيداً من الطريق القديم الذي يمر في الضاحية الجنوبية لبيروت التي توسعت وألقت القبض على طريق المطار، والمطار معاً، بل إنه صار في قبضتها سياسياً وأمنياً. ولم ينجُ الطريق الجديد من الهيمنة.

اليوم بعد كل هذه السنين، لم يعد مطار رفيق الحريري يفي بالحاجة، وصار قديماً، ويحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل وإلى النظافة وحسن التنظيم. وجرت محاولة لتشييد بناء جديد قرب البناء القائم، ولم تنجح تلك المحاولة، لتضارب المصالح.

المهم في الأمر ليس المطار الجديد، بل رفع الهيمنة عن المطار، وإعادة تأهيله وتنظيمه وترتيبه، بل توسعته، وإضافة مبان جديدة إليه.

البلد، كل بلد، لا يجوز أن يكون أسير مطار واحد، إذا طرأ عليه عطل تقني أو جرى فيه أو عليه أي اعتداء أو عمل إرهابي، ينقطع البلد كله عن العالم، ويتحول إلى سجن كبير. كل دول العالم، حتى الصغيرة منها، باتت تملك أكثر من مطار، يفيد في حرية الحركة والتصدي لكل عزلة ممكنة، ويفيد في الإنماء المناطقي، وفي تخفيف الأعباء عن المواطنين.

أما المشكلة الحقيقية في لبنان، والتي أفاد منها "حزب الله" عندما رفض إقامة مطارات أخرى رديفة، فهي انقسام اللبنانيين في ما بينهم حول الفكرة، وتحوّل النقاش تارة إلى مناطقي، وتارة إلى طائفي. كلما برزت دعوة إلى إحياء مطار القليعات مثلاً، ارتفعت أصوات تطالب بمطار حامات، أو رياق، أو حتى ابتكار مطالب جديدة، مما يعيد المشروع إلى الصفر، لأن بلداً في حجم لبنان يحتاج حتماً إلى أكثر من مطار، لكنه لا يتحمل إقامة أربعة أو خمسة مطارات دفعة واحدة، لأن لا جدوى اقتصادية منها. فالمطار ليس مشروعاً لإرضاء منطقة أو فريق سياسي أو مكون طائفي، بل هو مشروع تنموي يجب أن تتوافر له فرصة الربح فلا يتحول عبئاً جديداً على خزينة الدولة وباباً للتنفيعات.

بين منادين بالقليعات، وآخرين بحامات، وحدها لجنة علمية، وزارية أو نيابية، مع اختصاصيين، قادرة على إعداد قرار علمي صائب. وإذا كان مطار القليعات على وشك القرار والتلزيم والتشغيل بحق، فالتمني هو عدم تأخيره، لأن الظروف المؤاتية ربما لا تتكرر.