المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الجمعة 8 آب 2025 07:09:32
بات واضحاً أن "حرب الإسناد" التي تورط فيها "حزب الله" وورط معه لبنان لم تكفِ نتائجها الدراماتيكية الحزب المذكور لدفعه إلى التفكير بالعودة إلى مشروع الدولة، واستظلال الشرعية والدستور والقانون. فبعد أكثر من سبعة أشهر على انطلاقة عهد الرئيس جوزف عون، وستة أشهر على انطلاقة حكومة الرئيس نواف سلام، لا يزال لبنان عالقاً عند المربع الأول؛ لا تسليم للسلاح ولا تفكيك للبنية العسكرية والأمنية للحزب مهما كلف الأمر.
وبالطبع شكلت جلسة مجلس الوزراء اللبناني الأخيرة التي عقدت يوم الثلثاء المنصرم، محطة مهمة على طريق إعلان الحكومة بغالبية أعضائها عدم شرعية كل سلاح خارج سلطة الدولة، وفي مقدمه سلاح "حزب الله" الذي فقد ميزته السياسية والمعنوية في هذه الجلسة بعدما اعتبرت الحكومة بشكل غير مباشر أنه لا يختلف من ناحية الشرعية والمشروعية عن أي سلاح آخر مخالف للقانون على الأراضي اللبنانية.
والحال أن معركة اتخاذ القرار الحكومي التاريخي التي قادها حقيقة رئيس الحكومة نواف سلام ومهّد لها رئيس الجمهورية جوزف عون الطريق وأمّن لها الحماية، شكّلت تحولاً في توازنات البلاد السياسية، كما أنها شكلت قطيعة حاسمة بين مرحلة تشريع سلاح غير شرعي من خارج الدستور والقانون والقرارات الدولية ذات الصلة.
وللتذكير فإن مرحلة طغيان السلاح غير الشرعي دامت أربعة عقود، لكنها في العقدين الأخيرين تفاقمت من حيث انعكاساتها على الانتظام العام في لبنان. فقد شهدت المرحلة المذكورة اغتيالات سياسية كبيرة في لبنان بين 2004 و2013، كما شهدت غزوات مسلحة ودموية قامت بها ميليشيات السلاح غير الشرعي، وشهدت إشعال فتيل حربين مدمّرتين مع إسرائيل لم يكن للبنانيين أي قول فيهما.
ولا بد من ذكر عملية التقويض الممنهج للنظام اللبناني ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية التي وقع جلها في قبضة "حزب الله"، بعدما تحول لبنان بفعل هذا التدمير المنهجي لمنطق الدولة إلى منصة اعتداء داخلي على الغالبية العظمى من اللبنانيين، وخارجي على مجموعة كبيرة من الدول العربية.
مشكلة لبنان مع الحزب المذكور أنه دفع لبنان دفعاً إلى قطيعة عميقة مع حاضنته العربية، وإلى غربة مع محيطه الدولي. لكن ما شكّل الخطر الأكبر تمثل برسوخ حالة الانقلاب على النظام اللبناني، والتوازنات الدقيقة التي حكمت ولادة لبنان الكبير، ثم لعبة المجتمع المتنوع والمركّب طوال مئة عام ونيف. حقيقة أن الخطر على الكيان لم يكن بهذا الحجم أيام الوصاية الاحتلالية السورية، وبالتأكيد لم يكن أيام الانتداب الفرنسي نفسه.
وما من شك في أن خطورة الهيمنة الأمنية والعسكرية والسياسية والثقافية والمالية التي تمكّن "حزب الله" من فرضها في لبنان، لا يمكن أن ترقى إليها أي هيمنة مارستها أي قوة حزبية لبنانية خلال حروب لبنان منذ 1975، حتى أن بعض قادة الرأي كانوا يطلقون على لبنان إبان مرحلة الهيمنة المطلقة وصف السجن الإيراني الكبير الذي يحرسه مسلحو ميليشيا "حزب الله"!
يوم أمس الأول، وبعد أقل من 24 ساعة على اتخاذ مجلس الوزراء قرار تكليف الجيش اللبناني إعداد خطة لتقدم للحكومة بحلول نهاية الشهر الحالي، هدفها تنفيذ قرار "حصر السلاح" بيد الدولة قبل نهاية العام الحالي، وهذا أضعف الإيمان عندما يراد إقامة دولة طبيعية مكتملة الأركان، وبعدما أصدر الحزب المذكور موقفاً تفجيرياً يرفض الاعتراف بشرعية القرار، أصدر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بياناً عنيفاً ضد قرار الحكومة اللبنانية، معتبراً أنه سيفشل، ومعلناً أن الحزب المشار إليه قد استكمل إعادة بناء قدراته العسكرية، ومؤيداً إياها في العودة إلى الساحة أي إلى الحرب التي لا تنتهي. والحقيقة أن موقف وزير الخارجية الإيراني العنيف من الناحية الديبلوماسية أثبت أن مصير السلاح في لبنان لا يزال بيد طهران، وأن التفاوض بشأنه يكون بجلوس الولايات المتحدة إلى الطاولة مع إيران؛ فطهران لا تزال تتعامل مع الساحة اللبنانية على أنها ساحة إيرانية، وذلك على الرغم من نتائج الحرب الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله". وفي مطلق الأحوال، فإن أهم ما حصل يوم الثلاثاء في بيروت هو بروز شجاعة حكومية لبنانية مستجدة في التصدي لمشروع السلاح غير الشرعي، ومفاجأة الطرف المهيمن على البلاد بقوة السلاح أن شيئاً ما قد تغير في العمق، بحيث إنه ما عاد بالإمكان متابعة السير على الطريق الانحداري الذي كان لبنان لا يزال يسير عليه منذ أكثر من عقدين كاملين.
نحن إذاً في بدايات مرحلة تحوّل كبير وعميق في لبنان!