المصدر: النهار
الكاتب: جيرار ديب
الأربعاء 3 كانون الاول 2025 08:10:26
تحمل الزيارة الأولى للحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر بعد توليه المنصب خارج الفاتيكان، والثانية بعد تركيا إلى بيروت، رسائل في أكثر من اتجاه تأكيداً على دور لبنان الذي أكده السلف، البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، على أن لبنان "أكثر من بلد إنه رسالة"، رسالة للعيش المشترك، ولزرع السلام في المنطقة.
لهذا حملت هذه الزيارة عنوان "لبنان يريد السلام". وهذا ما أكد عليه كلّ من رئيس الجمهورية، جوزف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، في دعوتهما إلى التفاوض لتبريد الجبهة الجنوبية، من خلال ترسيم الحدود والتزام لبنان ا القرار 1701 كاملاً.
في مقابل الدعوات الرسمية اللبنانية إلى الوسيط الأميركي، هناك تعنّت إسرائيلي برفض أي حوار مع لبنان، على اعتبار أن لبنان الرسمي ومؤسساته العسكرية والأمنية لم يقم بما يتوجب عليه بسحب سلاح "حزب الله". ورغم بيانات الجيش اللبناني، ووسط العمليات المتكررة من الجانب اللبناني ووسط مرافقة الإعلام لعمليات تسلم السلاح من الفصائل الفلسطينية في المخيمات المنتشرة على أرض لبنان، لم يزل الإسرائيلي ممسكاً بسردية "عدم جدية الدولة في تعاطيها موضوع السلاح".
مع اقتراب لبنان من مرحلة توصف بأنها الأكثر حساسية منذ وقف النار قبل عام، تتجه الأنظار نحو المهلة الأميركية التي تلوح كآخر فرصة لمعالجة ملف "سلاح حزب الله" قبل نهاية هذا العام. وبين ما قد تحمله تلك الزيارة التي يغلب عليها الطابع الديني، ولكنّ الشعارات التي رفعت تؤكد الدعوة إلى السلام.
يجب ألا يستبعد اللبناني فرضية الحرب الواسعة، وخصوصاً تلك التي نقلها الوسطاء الأميركيون إلى المعنيين في لبنان من الجانب الإسرائيلي الذي أكد أن هذه الجولة لن تكون كما سابقاتها، بحيث ستُدخل مناطق جديدة إلى دائرة الاستهداف، مع الانتشار الكبير والتوسع للبيئة الحاضنة في سائر المناطق اللبنانية، في ظلّ ما تشهده الضاحية من نزوح لساكنيها الذين استأجروا أو اشتروا بيوتاً في غير مناطق.
"لا مناطق آمنة" وأيضاً لا حيادية في القصف الإسرائيلي للدولة اللبنانية عبر مؤسساتها، مع التعمد الإسرائيلي رمي اللوم على الدولة اللبنانية وتقاعسها في موضوع السلاح. وإن إلغاء الزيارة التي كانت مقررة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل، إلى واشنطن دلالة على "غضب" القيادة الأميركية من أداء الجيش في تنفيذ مهمته...
يتفق كل لبناني بأن هذه الحرب لن تكون كما سابقتها، ولكن ما هو غير متفق عليه هو شكل الحرب المنتظرة، والتي تراوح بين مركّزة عبر ضربات جوية كثيفة، وواسعة تتضمن الاجتياح بهدف سحب السلاح بالقوة. إلا أنّ السيناريو الأخطر الذي بدأ يلوح في الأفق، هو الحرب العامة، أي تلك التي ستتدخل فيها إيران ووكلاؤها في المنطقة، بعد الحديث عن إعادة تسليحهم وتمويلهم.
فأن يخرج السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، وهو أحد ضحايا تفجيرات البيجر، ليصدر بياناً حول عملية اغتيال القائد في "حزب الله" هيثم الطبطبائي، متحدثًا عن أن "حزب الله بعد هذه العملية سيغير في استراتيجية القتال"، ليس بالأمر العابر، ويتخطى التدخل في الشأن اللبناني. لكنّه دلالة واضحة على أن إيران ستشارك في الحرب الحتمية ليس دفاعاً عن "حزب الله"، بل تأكيداً لوجودها في محاولة لقطع الطريق على الإسرائيلي من أن يقوم بتنفيذ ضربات جديدة داخل إيران.
لا شيء أمام إيران تخسره، وسط تحشيد أميركي في منطقة الكاريبي، حيث العملية هناك ذاهبة إلى حرب على نظام نيكولاس مادورو، حليفها في المنطقة. إذ شكل نظام فنزويلا مدى قرون بيئة حاضنة لإيران في التهرب من العقوبات، بحسب التقارير الأميركية، بيئة لتهريب المخدرات وتمويل موازنة الحرب. كذلك الأمر، أدراك إيران أن اللاعب الروسي بات بعيداً في خياراته ورؤيته في المنطقة...
لن نقول انتحاراً إيرانياً، ولكن هذه المرة طهران تعاني أزمات داخلية تبدأ من ضغط العقوبات على اقتصادها، وصولًا إلى الأزمة المستجدة والمتمثلة في "شح المياه" عن طهران والكثير من المحافظات، لهذا فالأكيد أن هذه الحرب ستشارك فيها إيران تحت شعار "صولد وأكبر" على حرب مع الإسرائيلي باتت تهدد الوجود.
أمام مشهدية الحرب القادمة، تبقى رسالة السلام لقداسته معلقة إلى جانب رسالة سلفه، طالما أن لا حظوظ جدية للسير في حصرية السلاح، وسط معادلة أسقطها الحزب وترتبط بتسليم السلاح في مقابل فرض السلام، مع دعم أميركي واضح إلى جانب إسرائيل.