المصدر: أساس ميديا
الكاتب: غسان العياش
الخميس 21 آب 2025 08:12:05
تتقدّم الجهود لوقف الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة، ولا يُستبعد أن تُكلّل بالنجاح في الأسابيع القليلة المقبلة، بعد قمّة ألاسكا الروسيّة الأميركيّة واجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأبرز قادة الدول الأوروبيّة.
يجب عدم اعتبار نهاية هذه الحرب حدثاً محلّيّاً تنحصر نتائجه بالدولتين المعنيّتين به، روسيا وأوكرانيا. إذ كما كانت هذه الحرب المدمّرة سبباً لتغييرات في السياسة الدوليّة وذات تأثير على اقتصادات العديد من البلدان، فإنّ السلام بين الجارتين المتحاربتين، إذا تحقّق، سوف يؤدّي إلى نتائج عكسيّة سياسية وأمنيّة واقتصاديّة، ويخلق واقعاً جديداً في المنطقة ومحيطها.
إنّ لبنان ليس بعيداً عن منطقة القتال. وكما تأثّر باندلاع الحرب، التي وُصفت بأنّها الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية، يجب أن يكون على استعداد لتحديد خياراته في مرحلة السلام. فهل يكون جزءاً من واحة السلام التي يُحتمل أن تقوم في الشرق بعد توقّف العنف، أو يكون مع إيران، التي ستبقى حاليّاً بإرادة قيادتها خارج المنظومة التي سيشملها النظام الإقليمي، بل العالمي، الجديد؟
بعد جهود حثيثة بدأها منذ وصوله إلى البيت الأبيض في كانون الثاني الماضي، نجح الرئيس ترامب في عقد قمّة واعدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، فتشجّع على عقد قمّة عاجلة، يوم الإثنين الماضي، مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأبرز زعماء القارّة الأوروبيّة.
ترامب مستعجل
زعماء أوروبا ليسوا مستعجلين على عقد الصفقة مع بوتين التي يجب أن تسبقها بنظرهم هدنة طويلة، ويميلون إلى التريّث في تمكين روسيا من عقد تسوية على الأراضي التي احتلّتها في أوكرانيا، انطلاقاً من مبدأ عدم مكافأة احتلال الأراضي بالقوّة. لكنّ ترامب مستعجل في إبرام صفقة من دون هدنة مسبقة، لاعتقاده أنّ بالإمكان التوصّل إلى اتّفاق سريع مع نظيره الروسي يشمل الاتّفاق على الأراضي التي تحتلّها روسيا.
لمعرفة النتائج التي يمكن أن تؤول إليها عمليّة السلام التي يسعى إليها الرئيس ترامب، من المستحسن الاطّلاع ولو بسرعة على الأضرار الكبيرة التي قادت إليها الحرب.
أشعلت صراعاً قديماً
أشعلت هذه الحرب الصراع القديم بين الشرق والغرب الذي اعتقدنا أنّه زال مع سقوط الاتّحاد السوفيتي وتربّع الولايات المتّحدة على زعامة العالم. امتدّت آثار الصراع لتشمل السلام العالميّ والأمن الغذائي ومعدّلات التضخّم والتجارة العالمية والإيرادات الحكومية في مروحة واسعة من البلدان.
اتّسعت الفجوة الاقتصادية بين الشرق والغرب وارتفعت أسعار الطاقة بشكل كبير ووصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية. ارتفعت أيضاً أسعار الموادّ الغذائية لأنّ روسيا وأوكرانيا يسهمان بأكثر من 30% من صادرات القمح العالميّة، إضافة إلى أنّ طرق إمداد الغذاء تعطّلت في أكثر من منطقة. وقد تباطأ النموّ العالمي فانخفضت المداخيل الفرديّة بموازاة تراجع الطلب والاستثمار.
استغلّت الدول الخليجية الوقت الضائع في هذا الصراع لكي تعزّز مشاريعها التنموية وتطلّعاتها المستقبلية البعيدة المدى، ملتزمةً سياسات حكيمة تجاه أطراف الصراع. لكنّ بلدان الشرق الأوسط، إجمالاً، تحمّلت وزر الآثار الاقتصاديّة القاسية للحرب. وتشكّل مصر أبرز مثال على الدول العربية التي تضرّرت من النزاع، وهي أكبر شريك تجاريّ لروسيا في إفريقيا وتستأثر بنسبة 33% من التجارة العربية مع روسيا.
إذاً من المرجّح أن يؤدّي السلام الموعود الذي يسعى إليه الرئيس ترامب بعناية إلى إزالة الصعوبات الاقتصادية التي سادت خلال الحرب، وإلى إقامة منطقة سلام مزدهرة، تُستثنى منها إيران بسبب استمرار صراعها مع الغرب الذي يبادلها بالعقوبات وكلّ أشكال الحصار.
بات على دول المشرق العربي، وخصوصاً لبنان والعراق، أن تختار في المستقبل القريب بين المسار السلميّ الذي انطلق من قمّة ألاسكا، وما زال يتقدّم بخطى حثيثة، وبين اللحاق بسياسة زعماء طهران الذين يعانون من شعور مفرط بفائض الجهل بعدما كانوا سابقاً يعانون من فائض القوّة، ويدفعون ثمن ذلك عزلة سياسية واقتصادية، في أحسن الحالات.