لبنان... جلد الدبّ والقرون الوسطى!

فيما كانت فرنسا تثبت البارحة ثباتها على تاريخ لا يتبدل في احتضانها للبنان، أيّاً يكن تبدل الظروف والأزمان والسياسات، بعقد مؤتمر دولي في باريس لحشد ما أمكن من الدعم لشعب لبنان المصاب بلعنة الحروب والكوارث الداخلية والخارجية التاريخيّة، كانت أعرق مدن لبنان التاريخية صور تُجرف وتُدمر وتمحى آثارها تحت الهمجية المتوحشة للعدوانية الإسرائيلية.

قبل وبعد جريمة الحرب التاريخية التي ارتكبتها إسرائيل في صور، ثمة عشرات الواقعات التي تصنف جرائم حرب لا تبررها حربها على "حزب الله"، في ما بات يخشى معه أن يكون ثأر الدولة العبرية من الحزب وإيران وكل المحور الممانع قد ثبت عند تهديداتها النمطية بإعادة لبنان إلى القرون الوسطى.

ولعل ما يوازي هذا الانجراف المرعب إلى جعل لبنان "يغور" لعقود مقبلة في الكوارث والأزمات التي ستخلفها هذه الحرب، فإن لبنان لم تكن تعوزه أساساً، قبل الحرب، أي هزة ريح بل كان واقفاً عند شفا تجدد الانهيارات المتعددة الطابع، فكيف بإعصار حربي سيكون الأشد تدميراً وهمجية على الإطلاق  في تاريخه؟

أياً تكن حصيلة ما قرره واستجمعه مؤتمر باريس لدعم لبنان، لن يفي من متطلبات نتائج الإعصار الحربي الذي يضربه إلا "لمسة" العرفان الكبيرة التي يستشعر بها معظم اللبنانيين حيال فرنسا لكون الحقيقة الموجعة هي أن العالم بات ينظر إلى لبنان على أنه بلد مريض بإدمان فقدان السيادة وإدمان التبعية للخارج، وإدمان الفساد، وإدمان الفشل في إقامة دولة حامية لكل مقومات وطن طبيعي.

 قبل أن يزج "حزب الله" بلبنان لمصلحة محوره الإيراني بالدرجة الأولى، في أتون أخطر الأخطار المصيرية التي تسببت باستدراج  الوحشية الإسرائيلية إلى شنّ هذه الحرب، كان البلد يرزح تحت تداعيات انهيار افلاسي من جهة، وانهيار سياسي مؤسساتي دستوري من جهة أخرى، وكلاهما يطبقان كفكي كماشة على المصير الآني والمستقبلي للبنانيين.

عشرات مليارات الدولارات ما كانت لتقيم لبنان من عثاره ووقعته الإفلاسية بعدما تفجرت الأزمة المالية في العام 2019 وما تلاها، والتي للتذكير، أدت إلى إفقار ملايين اللبنانيين في الوطن وبلاد الانتشار من خلال دفن ودائعهم في المصارف إلى الأبد. ومع الكارثة الحربية التي تتدحرج الآن قد يكون من المستحيل تصور رسم بياني تقديري واستباقي لحجم الخسائر المادية ما دامت الضريبة الإنسانية تعلو كل اعتبار مع سقوط ألوف الضحايا، وتدمير المدن والبلدات والقرى بشكل مرعب، ناهيك عن تصاعد مخيف في منسوب حجم النازحين المهجرين من هذا الجحيم إلى المناطق الأكثر أماناً.

ولأن الخوف المتدحرج من الحرب لا يقف عند همّ عتيق، فإن الرعب الآخر من زرع فتنة بين النازحين والمجتمعات المضيفة خرج عن إطار التخوف النظري، وبات يلازم خطاباً خارجياً غالباً ما اعتاد اللبنانيون سماعه في كل محنة.

المشكلة الكبرى أن ليس في لبنان الراهن تركيبة رسمية سياسية في مستوى تبديد الهواجس الحقيقية أو التخويف المفتعل من فتنة تتخذ طابعاً طائفياً تكبر أخطارها كلما طالت الحرب، وأمعنت في تدمير الكثير من المناطق، بما يستلزم سنوات طويلة جداً لإعادة الإعمار.

أحدث وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو أخيراً صدمة واسعة، حين أطلق إنذارَ التحذير من حرب أهلية جديدة في لبنان، كمن يسلخ جلد الدب قبل اصطياده. بذلك ترانا بين حدّي الكارثة: شبح فتنة في بلد مدمر، وعقود مقبلة من اليأس!