المصدر: الراي الكويتية
الاثنين 20 كانون الثاني 2025 22:38:35
طغى حفلُ تنصيب الرئيس 47 للولايات المتحدة على المشهد في بيروت التي تترقّب، كما كل العواصم، دخولَ العالم حقبة جديدة – قديمة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتأثيراتها على مسارِ تحولاتٍ في المنطقة كانت طلائعُها لاحتْ في الولاية الترامبية الأولى كما على بؤر ساخنةٍ لاتزال مشتعلةً على الخريطة الدولية وأبرزها حرب أوكرانيا و«جبهات» اقتصادية مرشّحة لأن تُفتح، وكلها تحدياتٌ خارجية قد تُغْرِق شعار «أميركا أولاً» الذي رَفعه «الرجل الذي لا يُتوقَّع».
ولعلّ أكثر مَن ينتظر ما سيكون ابتداءً من اليوم هو الشرق الأوسط «المختلف» الذي ارتسم في الأشهر الأخيرة، وطَبَع انتخابُ ترامب قبل أكثر من شهرين بعض مساراته الملتهبة التي حاولت التكيّف مبكراً مع عودته التي أَحْدَثَ وهْجُها تداعياتٍ في أكثر من ساحة واتجاه، آخِرها وقف النار في غزة الذي بدا ان إسرائيل «اقتيدت» إليه، ولو لمرحلةٍ أولى يبقى ما بعدها مفتوحاً على شتى الاحتمالات، وما سبق ذلك على جبهة لبنان من اتفاق 27 نوفمبر الذي لم يكد أن يسْري حتى سار نظام بشار الأسد في سورية على طريق سقوط مدوٍّ اعتُبر من المفاعيل المباشرة لتقلُّص قوة المحور الإيراني بدءاً من ذراعه الأقوى «حزب الله».
وفي الوقت الذي يسود ارتياحٌ في لبنان إلى أن البلادَ نجحتْ، في واحدةٍ من المرات النادرة، بحجْز مقعدٍ لها على قطار المتغيّرات الجيو – سياسية، وإن بدفْعٍ خارجي كبير، عبر انتخاب رئيس للجمهورية بمواصفات المرحلة الجديدة هو قائد الجيش العماد جوزف عون ثم تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة، فإنّ انتظاراً يسود لمآل ملفين باتا واقعياً متشابكيْن:
- تأليف الحكومة، وسط تحبيذ رئيسيْ الجمهورية والحكومة المكلف الانتهاء من هذه المهمة قبل نهاية الأسبوع الحالي، بهدف التفرّغ للملفات الكبرى التي تقع على عاتق تشكيلة كأنها ستدير «مرحلة تأسيسية» على صعيد الإصلاحات وبسط سيادة الدولة بقواها الشرعية حصراً على كامل الأراضي اللبنانية، والاستعداد ليوم 26 يناير، تاريخ انتهاء هدنة الستين يوماً التي حددها اتفاق وقف النار بين حزب الله وإسرائيل، سواء التزمت به إسرائيل كمهلةٍ لإتمام انسحابها من القرى اللبنانية التي تحتلها في جنوب لبنان أم قررت خرْقها.
- «اليوم التالي» لـ 26 يناير بحال استمرّ الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية جنوب الليطاني، وسط توقُّف أوساط سياسية عند تقارير من تل أبيب بدت وكأنها تقدّم «حيثياتٍ» لتأخيرِ الانسحاب مثل زعْم بطء انتشار الجيش اللبناني في هذه البقعة التي يتعيّن أن تصبح «ابتداءً» خالية من أي وجود مسلّح أو بنية عسكرية لـ «حزب الله»، والتشكيك المزعوم أيضاً في قدرته على السيطرة على مناطق نفوذ الحزب فيها، وإشاعة أن الأخير مازال له وجود جنوب الليطاني حتى الساعة.
وفي حين برز أيضاً ما نقلتْه صحيفة «النهار» عن مصادر فرنسية من توقعاتٍ بأن يتأخّر انسحابُ إسرائيل من الجنوب بعض الوقت «نظراً لبقاء سلاح(حزب الله)في عدد من المواقع وأن الدولة العبرية قد لا تلتزم بموعد 26 أو 27 يناير»، لم يقلّ دلالة إعلان الجيش الإسرائيلي أن رئيس الأركان هيرتسي هاليفي أصدر تعليماته بإعداد خطط لمواصلة القتال سواء في قطاع غزة أو لبنان، في ظلّ خشيةٍ من أن يكون أي تلكؤ في إتمام الخروج الى ما وراء الخط الأزرق في موعده، بحال حصل، في سياق محاولة تل أبيب تظهير صورة «قوةٍ» على جبهة لبنان تعوّض مَظاهر موافقتها «القسرية» على وقْفِ النار في غزة الذي دخلتْه من دون أي ضماناتٍ مسبقة تتصل بالقدرة على ان تأخذ في «اليوم التالي» في القطاع، سياسياً وأمنياً، ما يكمل تحقيق أهدافها «المنقوصة» حتى الساعة خصوصاً لجهة دور «حماس» في الإدارة السياسية والحُكم ووجودها ككل.
ولم يكن عابراً أمس، وبعد يومين من مغادرة الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بيروت وجزمه أن إسرائيل ستنسحب من جنوب لبنان بحلول 26 او 27 يناير، أن تزور المنسّقة الخاصّة للمنظمة الدولية في لبنان جينين هينيس- بلاسخارت تل أبيب حيث من المقرر أن تلتقي بكبار المسؤولين الإسرائيليين.
وبحسب بيان عن مكتبها فإن مناقشاتها ستركّز «على الخطوات التي يتم اتخاذها نحو تنفيذ تفاهم وقف الأعمال العدائية، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر، وكذلك على التحديات المتبقية. كما ستكون الحاجة إلى تحفيز تنفيذ القرار رقم 1701 (2006) الصادر عن مجلس الأمن موضوعاً رئيسياً لمباحثاتها.
وقبل مغادرتها، رحبت المنسقة الخاصة «بالتقدم المحرز من خلال انسحاب الجيش الإسرائيلي وإعادة نشر القوات المسلحة اللبنانية في مواقع في جنوب لبنان، فيما دعت إلى استمرار الالتزام من قبل جميع الأطراف».
«فجر جديد»
ولاحقاً نُقل عن غوتيريش «ان اتفاق وقف الأعمال العدائية في لبنان هش ولكنه مستمر ومن المهم أن يسيطر الجيش على كامل الأراضي اللبنانية، وعلى إسرائيل احترام لبنان»، أملاً أن ينجح اللبنانيون«في تشكيل الحكومة سريعاً»ومتحدّثاً عن«فجر جديد»يظهر في«بلاد الأرز».
«حزب الله»
وفي موازاة ذلك، كان«حزب الله»، الذي يصرّ أساساً على أن اتفاق وقف النار محصور في بنوده ذات الصلة بتفكيك القدرات العسكرية وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية بجنوب الليطاني فقط، يعلن بلسان النائب علي فيّاض«اننا ننتظر تاريخ السادس والعشرين من يناير وفي حال عدم التزام العدو الإسرائيلي بالانسحاب الكامل، فهذا سيعني انهياراً لورقة الإجراءات التنفيذية ونسفاً للآلية التي تضمنتها وتقويضاً للدور الدولي الرعائي لهذا الاتفاق»، لافتاً إلى أن «هذا يضع اللبنانيين جميعاً دون استثناء أمام مرحلة جديدة وما تفرضه من حسابات جديدة عنوانها مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل والأساليب الممكنة لإخراجه من أرضنا، وهذه المواجهة هي مسؤولية اللبنانيين جميعاً حكومةً وجيشاً وشعباً وأحزاباً ومقاومة».
وأضاف «عدم انسحاب العدو الإسرائيلي من أرضنا في الوقت المحدد ودون أن نلمس أثراً حاسماً من الجهات الدولية لفرض هذا الانسحاب، يضع البلاد في مسار آخر لأنه يهدد بصورة جدية المرحلة الجديدة التي يَعِدُ بها المسؤولون اللبنانيون برعاية دولية، الشعب اللبناني».
ورغم هذا الموقف التهديدي، فإن ثمة مَن رأى أن «حزب الله» يصعب أن يقوم بأي خطواتٍ عسكرية قد تتخذها إسرائيل ذريعة لمعاودة إشعال الحرب، وهذه المرّة في كنف إدارة ترامب، خصوصاً أن زمن ما قبل 8 ديسمبر السوري ليس كما بعده على صعيد وضعيةِ الحزب وخط إمداده العسكري و«خاصرته» المربوطة بالجولان المحتل عبر البقاع الغربي، وهو ما قد يجعل تل أبيب تَعتقد أنها قادرة على أداء يعكس مزيداً من اليد العليا في تنفيذ اتفاق وقف النار أو التملص من مهل فيه بحجة أو أخرى، فإذا تجرّع الحزب ذلك سجّلت نقاطاً إضافية عليه بـ «وهج الحرب» من دون أن تعود، وإذا اختار القيام بردّ فعل تعاود تفعيل آلة الدمار.
وبحسب هذه الأوساط، فإن هذا السيناريو يتوقّف على ما ستشهده الأيام القليلة المقبلة من اتصالاتٍ دوليةٍ لضمان عدم انزلاق الوضع في لبنان مجدداً إلى «فم التنين»، وتضييع فرصة نهوض كبرى أطلت برأسها بانتخاب الرئيس عون وتكليف نواف سلام، وهي الفرصة التي قوبلت باحتضان خارجي غير مسبوق لبلاد الأرز منذ أعوام وستكون إحدى محطاتها الأبرز بعد غد مع الزيارة - الحدَث لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لبيروت.