لبنان على التَقاطُع الأخطر ولقاءُ مُكاشَفةٍ بين عون وسلام... عتابٌ ولـ "تنقية القلوب" تتمة

انحسرتْ «العاصفةُ المكتومة» التي هبّتْ على خطّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام وانحصرتْ تَفاعلاتُها قبل أن تترك «ندوبُها» تداعياتٍ دستوريةً وسياسيةً على الجسم التنفيذي للسلطة اللبنانية الذي يشكّل قاطرةَ ملف سَحْبِ سلاح «حزب الله» الذي يَبقى البابَ الذي يُخشى أن يعاودَ وضْعَ البلاد في عَيْنِ «تسونامي» نار ودمار يَستكمل أهداف «حرب لبنان الثالثة» التي باتت منذ 27 نوفمبر «في اتجاه واحٍد» عبر يومياتِ الضرباتِ «الموْضعية» من إسرائيل ضدّ الحزب.

وفي الوقت الذي كانت زيارةُ سلام لعون أمس، تُعْطي أولَ إشارةٍ لتَفادي اعتمالِ الأزمة التي اشتعلتْ على خَلْفية إضاءة صخرة الروشة بصورتيْ السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وأداء الجيش والقوى الأمنية التي لم تتولَّ «التنفيذ الزاجر» لتعميم رئيس الحكومة بمَنْع إنارتها، عبّرت أوساط واسعة الاطلاع عن مَخاوف من أي سوء تقديرٍ من «حزب الله» وأطراف لبنانية أخرى لحراجةِ المفترَق الاقليمي الذي يشي بأن تنعطف معه المنطقةُ برمّتها على المستوى الجيو – سياسي. 

واعتبرتْ هذه الأوساط أنّ هذه المَخاوف تستمدّ مشروعيّتَها من الإطباقِ المزدوج الذي بدأ «حزبُ الله» يقوم به منذ الخميس الماضي على جبهة سَحْبِ سلاحه، بتقويته صوت الاعتراض على هذا المسار وإضعافه هيبة الدولة المولجة هذه المهمة، كما على جبهةِ الانتخابات النيابية المقبلة (مايو) التي أعْلاها إلى مستوى «حربٍ موازية» يخوضها في مواجهة خصومُه لشعوره بوجود محاولةٍ لـ «تَعَقُّبه» سياسياً و«معاقبته» عبر مسار «مثلث البُعد»:

- يُراد منه أولاً «سحْب» ما لا يقلّ عن نائبين من الحصة الشيعية في البرلمان لكسْر احتكاره وحركة «امل» تمثيلها، وما يعنيه ذلك على صعيد إمساكه بورقةٍ ميثاقية يمكنه تفعيلها عند كل استحقاق دستوري.

- وثانياً «تجريده» من الثلث زائد واحد في مجلس النواب الذي يتيح للحزب وحلفاء له تحقيق «توازن سلبي» داخل البرلمان في أي استحقاقٍ وخصوصاً الانتخابات الرئاسية، التي غالباً ما جرى تعطيلُ جلساتها وتالياً إيصال رئيس من الدورة الأولى، عبر «مفتاح الـ 43 نائباً».

- وثالثاً إحداث خصوم الحزب خرقاً في الحصة الشيعية من فم صناديق الاقتراع وإعادة هيكلة التوازنات السياسية، بما يُفضي إلى إبعادِ زعيم حركة «أمل» نبيه بري عن رئاسة البرلمان التي يتولاها من دون انقطاعٍ منذ 1992 ما يتيح له وفق هؤلاء تشكيل «جبهة إسناد» دستورية للحزب و«سلاحاً سياسياً» حان وقت سحْبه.

وإذ كان ملف الانتخابات النيابية، وتحديداً عقدةُ اقتراع اللبنانيين غير المقيمين، يتحوّل بمثابة «بقعةِ زيت» تُنْذِرُ بالتمدّد سياسياً ودستورياً بعدما صعّدتْ القوى السيادية أمس اعتراضَها على رَفْض بري إدراج اقتراح قانون معجّل مكرّر بإلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب النافذ (تنص على حَصْرِ انتخاب المغتربين بـ 6 مقاعد تُستحدث لست قارات) على جلسة عامة وقاطعتْ الجلسة التي كانت محدّدة أمس ومَنَعَتْ انعقادها بعد توافر النصاب (مطلوب حضور 65 نائباً)، فإنّ زيارة رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية أمس بدت محاولةً لاحتواءِ «الأزمة الصامتة» بين الرجلين والتي عبّرتْ عن نفسها بعيد «عاصفة الروشة» برسائل ومواقف «مشفّرة» ولكن على طريقة «اللبيب من الإشارة يَفهم».

وفيما اكتفى مكتب الإعلام في القصر الجمهوري بالإشارة إلى ان اللقاء تخلله عرْض «الأوضاع العامة ونتائج اللقاءات التي عقدها عون في نيويورك خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تطرق البحث الى الوضع الداخلي وسبل معالجة ما حصل في منطقة الروشة قبل أيام»، من دون أن يُدلي سلام بأي تصريح لدى مغادرته بعبدا، فقد علمت «الراي» أن الاجتماع كان أقرب إلى «جلسة مكاشفة تخللها عتاب متبادَل».

ووفق معلومات «الراي» فإن رئيس الجمهورية قال لسلام إنه كان ينبغي أن ينسّق معه في ما خص قضية صخرة الروشة باعتبارَ أنه «القائد الأعلى للقوات المسلّحة»، وأن رئيس الحكومة أجاب بأن صلاحياته واضحة وأنه يَعمل وفق تلك الصلاحيات وأنه كان على الجيش والقوى الأمنية التصرّف كما ينبغي للحفاظ على هيبة الدولة.

وبحسب المعلومات نفسها، فقد ردّ عون بأن دور الجيش الحفاظ على الهدوء والاستقرار وأن المساس به خط أحمر مع رفْضه في الوقت نفسه التطاول على رئيس الحكومة وموقعه، ليجيب سلام بأن هذا الكلام صحيح ولكن لا يمكن الخضوع للابتزاز في موضوع الاستقرار على حساب هيبة الدولة، ليتّفق الرئيسان على ضرورة استمرار التنسيق بينهما، ولكن من دون أن يُفْضي اللقاء الى تنقيةِ العلاقة تماماً بينهما وعلى أن يُعمل على ذلك تباعاً.

وقد أبدت الأوساط الواسعة الاطلاع ارتياحاً لعدم انزلاق علاقة عون وسلام إلى مزيد من التأزم سيَترك تداعياتٍ كبيرةً على مسار سَحْب السلاح كما على مجمل عمليةِ دعْم الجيش التي يتم تحضير أرضيتها خارجياً، معتبرةً أن على لبنان الرسمي التحوّط بشدّة للواقع الاقليمي الذي يتخذ منحى «تأسيسياً» في ضوء خطة غزة التي تنتظر ردّ «حماس» عليها ولكن واشنطن وتل أبيب جاهرتا بأنهما لن تنتظرا إلا أياماً معدودة سير الحركة بها قبل أن يتم «فرْضها بالقوة».

وبحسب هذه الأوساط، فإنّ الخشية الكبرى من أن لبنان يقف وحيداً على التقاطُع الأخطر للمفاعيل المستمرة لدومينو «جدار برلين» الذي لاحت أول «رياح تغيير» منه على وهج نتائج «حرب لبنان الثالثة» فطار حُكْم الأسدين في سورية، والآن انتهى عملياً حُكْمُ حماس في غزة، والاتفاقُ الأمني السوري - الاسرائيلي يشقّ طريقَه، والضغوط تتعاظم على إيران مع تفعيل «آلية الزناد»، والخوف الأعظم أن تبدو «بلاد الأرز» وكأنها حجر العثرة الأخير أمام الشرق الجديد و«قطار السلام» الذي وُضع على السكة بقوة الضغط الأميركي الهائل.