المصدر: الراي الكويتية
الاثنين 20 كانون الثاني 2025 02:01:27
مع دخول وقف النار في غزة حيز التنفيذ وانخراطِ إسرائيل في مرحلته الأولى على طريقة «رِجْلاً إلى الأمام وأخرى إلى الوراء»، طغى هذا الحدَثُ على المَشهد اللبناني وسط اقتناعٍ بأن أي إخمادٍ لـ «طوفان الأقصى»، الذي فاضَت نارُه على «بلاد الأرز»، سينعكس مزيداً من تثبيتِ خروج «جبهة لبنان» من الخدمة منذ 27 نوفمبر وتالياً تعزيز فرص إنجاز الالتزامات المتبادلة بين بيروت وتل أبيب بحلول انتهاء هدنة الستين يوماً على هذه الجبهة (في 26 الجاري) على قاعدة انسحاب إسرائيل من القرى التي مازالت تحتلها جنوباً وإكمال الجيش اللبناني انتشاره في كامل منطقة جنوب الليطاني بالتوازي مع تفكيك أي بنية أو وجود عسكري لـ «حزب الله» فيها.
تعهدات خارجية
وإذ تلقّى لبنان في اليومين الماضييْن تعهداتٍ دوليةً وأممية بأن تنسحب إسرائيل وفق الجدول الزمني الذي تضمّنه اتفاق وقف النار، وهي التعهدات التي اكتسبت صدقية لجهة القدرة على ترجمتها في ضوء ما كان نُقل عن مصادر قريبة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن مسؤولين أميركيين وجّهوا تحذيراً صريحاً لإسرائيل من البقاء في جنوب لبنان لمدةٍ أطول من المتفَق عليه وأبلغوها رغبةً بألا ينهارَ هذا الاتفاق، أعطتْ تل أبيب أمس إشاراتٍ إلى أنها قد تنضوي تحت هذا الطلب بتأكيد حكومة بنيامين نتنياهو أنها «ترغب باستمرار وقف النار في الشمال»، لافتة في الوقت نفسه إلى أنها «لا تقبل بأيّ قوات غير الجيش اللبناني واليونيفيل على الحدود الشمالية».
وفي الوقت الذي لا ضمانات بأن فترة الـ 42 يوماً الاختبارية من هدنة غزة ستكون أكثر من «استراحةِ مُحارب» اضطُر لها نتنياهو مراعاةً لمقتضيات انطلاق ولاية ترامب اليوم ورغبته في ألا يكون ذلك على وقع «طبول حروبٍ» يريد إنهاءها «لمرة واحدة ونهائية» على قواعد لـ «اليوم التالي» بمرتكزاته الأمنية والسياسية التي قد تُغْني عن تجدُّد «لغة المدفع»، فإنّ لبنان يسعى لملاقاة «عاصفة ترامب» العائدة ساعياً لجعل «رياح التغيير» التي هبّتْ مع انتخاب الرئيس جوزف عون في 9 الجاري ثم تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة (13 منه) تَجْري بما تَشتهي السفينة اللبنانية التي تمت استعادة دفة قيادتُها بعدما خسر المحور الإيراني أكثر من «شِراع - ذراع».
«جدار صد»
وإلى جانب أهمية تشكيل «جدار صدٍّ» دبلوماسي عربي – دولي أمام أي استسهالٍ اسرائيلي لتمديد احتلالٍ قرى لبنانية وخرق مهلة الستين يوماً وهو ما يساعد على إقامته حجم الاحتضان الخارجي لـ «لبنان الجديد»، فإن ثمة استشعاراً في بيروت بوجوبِ الانتهاء في أسرع وقت من تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزف عون وقبل 26 الجاري، بما يضمن أن يكون لبنان، وبـ «نظامٍ تشغيلي» مكتمل الصلاحية، جاهزاً لكل الاحتمالات:
- إما تَمَلُّص تل أبيب من مهلة الشهرين، رغم تَراجُع هذا الاحتمال بصيغة «أحادية الجانب»، وما سيقتضيه من حِراكٍ فوق عادي لمنْع عودة الحرب وإن كان ضمور قوة «حزب الله» يُعتبر في نظر البعض عاملاً مفرملاً في ذاته.
- وإما عبور اتفاق 27 نوفمبر «منطقة الخطر» وتالياً تعميق ركائز الاستقرار والمضيّ في حلقاتِ التماهي مع مواصفات المجتمعين العربي والدولي للبنان – الدولة التي استعادت سيادتها على كامل أراضيها على قاعدة حصرية السلاح في يد الدولة، وإن تباعاً، وباشرتْ إصلاحاتٍ جذرية، بما يؤّهلها لورشةِ نهوض على الأيدي الممدودة لإعادة الإعمار من الحرب والإنقاذ من الأزمة المالية الغارقة في «تنويمٍ اصطناعي».
العلاقات اللبنانية - السعودية
وبعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، وقبْلهما العديد من وزراء الخارجية الغربيين، تضرب بيروت موعداً مع محطة مرتقبة هذا الأسبوع (ومرجّحة الخميس) لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي كان في طور زيارة للعاصمة اللبنانية (بعد حلول السنة الجديدة) جرى الحديث فيها ولكن ارتؤي أن تكون بعد انتخاب رئيسٍ للجمهورية لعبتْ الرياض (المنخرطة في مجموعة الخمس حول لبنان مع الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر) دوراً رئيسياً في الحضّ على الإسراع بإنجازه بما يتلاءم مع ضروراتِ أن تلتقط «بلاد الأرز» فرصةَ التحوّلات في المنطقة وتؤهّل نفسها لتلاقي المتغيّراتِ بعجلة حُكْمٍ استعادتْ دورانَها الطبيعي وإن خارج «القواعد القديمة» التي أوصلتْها إلى الخراب.
ويُرتقب أن يحمل معه فيصل بن فرحان، الذي سيكون أول وزير خارجية سعودي يزور لبنان منذ أعوام خصوصاً منذ اندلاع أزمة كبرى بين بيروت ودول الخليج عقب تصريحات لوزير الإعلام السابق جورج قرداحي في 2021 اعتُبرت مسيئة للرياض وأبوظبي، دعوة للرئيس عون لزيارة المملكة وهي الدعوة التي كان وجّهها شفوياً ولي العهد رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في اتصال التهنئة الذي أجراه بالرئيس اللبناني (11 الجاري) الذي وَعَد بأن تكون «السعودية أول مقصد لي في زياراتي الخارجية».
ويُرتقب أن تكون للوزير السعودي إلى جانبِ الاجتماعاتِ مع الرؤساء عون ونبيه بري ونواف سلام ونجيب ميقاتي لقاءاتٌ سياسية مع أطراف عدة، على أن تمهّد هذه المحطة البالغة الأهمية لتطوير العلاقات اللبنانية - السعودية ضمن إطار المأسسة، وتؤسس لمرحلةٍ من استعادة دعم المملكة لـ «بلاد الأرز» ونهوضها سترتسم ملامحها الأوضح حين يزور عون الرياض، وإن كان جزء رئيسي منها أيضاً يرتبط بمساراتٍ دولية – عربية مشترَكة لمدّ لبنان بما يحتاج إليه لتقوية ركائز الدولة ومحو آثار الحرب وتأكيد انتقاله إلى ضفةِ الشرق الجديد.
وتحوّلت هذه الزيارة المرتقبة أحد عناصر الحضّ على المزيد من إسراع إنجاز التشكيلة الحكومية ولمَ لا محاولة استيلادها قياسياً هذه المَرّة، بعد تجارب «قيصرية» في العقديْن الماضييْن يُراد طي صفحتها، وخصوصاً أن قطار انضمام حركة «أمل» (يقودها بري) و«حزب الله» إلى الحكومة انطلق وتَجري لقاءات متوالية بين الرئيس المكلف وممثلين لهما لضمانِ مخارج توفّق بين الدور الحصري لسلام وعون في إدارة عملية التشكيل، تركيبة وتوازنات وحقائب وأسماء، وبين مطالب للقوى البرلمانية التي ستتمثّل عن بُعد وبوزراء اختصاصيين قريبين منها وبعيدين عنها في الوقت نفسه، أي لا يدينون لها بتسميتهم التي يفترض ألا تأتي من أحزاب أو أطراف سياسية.
ولم تتبدّل أمس المعطياتُ عن أن الصيغة الأقرب للاعتماد هي حكومة 24 وزيراً، وسط اقتناعٍ بأن ثمةَ مصلحةً لجميع الأطراف اللبنانيين بالإسراع في التأليف والانتقال الى العمل وإعطاء الإشارة اللازمة للخارج - وسيكون منطلقها شكل الحكومة وتوازناتها وبيانها الوزاري وتأكيد التزامها بتطبيق كامل مندرجات اتفاق وقف النار والقرار 1701 بدءاً من جنوب الليطاني - بأن نمطاً جديداً من الأداء بدأ، بما يساعد على المزيد من الاحتضان الذي برز في إطاره يوم السبت إعلان الولايات المتحدة تخصيص 117 مليون دولار لدعم الجيش وقوى الأمن الداخلي في ختام اجتماع للمانحين الدوليين (عُقد الخميس عبر الانترنت)، قبل أن تنقل قناة «العربية» ان الاتحاد الأوروبي سيقر مساعدات للبنان بقيمة 60 مليون يورو تخصص لتغطية انتشار الجيش في الجنوب لمدة ثلاث سنوات على أن تشرف فرنسا وإيطاليا وليتوانيا على إنفاقها.