لبنان في "اللحظة الفارقة".. ماذا بعد اختفاء حسن نصر الله؟

بات العديد من اللبنانيين يتساءلون عن مستقبل بلادهم بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها حزب الله، واغتيال زعيمه التاريخي، حسن نصر لله.

وبعد مقتل القيادي البارز، وقبل تأكيد التنظيم ذلك، احتفل خصومه في الشوارع بهذه الأنباء. يقول رامي (28 عاما)، وهو من بلدة الناقورة في جنوب لبنان، الذي انتقلت عائلته إلى بيروت في بداية الحرب إن "المشاعر مختلطة".

ويضيف رامي في تصريحات لصحيفة هآرتس: "لقد طوي الفصل الذي يسمى حزب الله. لكننا قلقون بشأن ما سيأتي بعد ذلك. هل سيتم استبداله؟ ماذا ستفعل المنظمة، وكيف سترد؟".

ومخاوف رامي مبررة لأن التنظيم ومسلحيه هيمنوا على سكان البلاد لعقود.

ويقول رامي: "لن أنسى أبدا خطاب نصر الله، العام الماضي، الذي حرض فيه ضد مجتمع المثليين في البلاد، وضد الآباء الذين أرادوا تضمين قضايا النوع الاجتماعي في التعليم".

ويقول عصام، وهو مواطن سوري كان يعيش في دمشق، قبل أن يفر مع عائلته إلى باريس أثناء الحرب الأهلية السورية: "أعتقد أن السوريين سيصابون بالسكري بعد تناولهم كميات كبيرة من الحلويات في الاحتفالات، التي أقيمت خلال الأسبوع الماضي".

وتشير مجلة إيكونوميست إلى أن "عديدين سوف يشعرون بقدر من السعادة" بعد مقتله، مشيرة إلى "بلطجية الحزب ساهموا في قمع انتفاضة شعبية مؤيدة للإصلاح عام 2019، وبعد عامين أرغم الدولة على وقف التحقيق في انفجار بيروت".

وتولى نصر الله (64 عاما) الأمانة العامة لحزب الله في 1992، بعد اغتيال إسرائيل لسلفه، عباس الموسوي، وطوّر نصر الله قدراته العسكرية، بدعم رئيسي من طهران التي تمده بالمال والسلاح، وزاد عدد أعضائه ليبلغ وفقا له نحو 100 ألف مسلح.

لكن عمليات الاغتيال المتتالية لقادة التنظيم كانت نوعية وغير مسبوقة.

وفي إشارة إلى حالة الضعف التي أصبت التنظيم الذي قتل زعيمه في معقله، الضاحية الجنوبية لبيروت، أطلق التنظيم عشرات الصواريخ على شمال إسرائيل في الصباح التالي لمقتله، ولكن هذا لم يكن مختلفا عما كان يحدث في الأيام السابقة.

وتصف إيكونوميست الوضع قائلة: "الجماعة في حالة من الفوضى".

هايكو ويمن، مدير مشروع العراق وسوريا ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية، قال في تعليق شاركته المؤسسة مع موقع الحرة: "التنظيم يتمتع بمؤسسات قوية للغاية بحيث لا يمكن أن ينهار بقطع رأسه، لكن الخسارة المذهلة لقدراته البشرية سوف يكون لها حتما تأثير مهين عاجلا وليس آجلا".

ويشير كذلك إلى أن اختراقه استخباراتيا بهذه القوة سيضعف قدرة حزب الله على الرد "استراتيجيا أو مواصلة الهجمات الصاروخية على شمال إسرائيل لفترة أطول".

وتقول إيراف زونسزين، محللة شؤون إسرائيل في مجموعة الأزمات الدولية في تعليق تم مشاركته مع موقع الحرة إن" اغتيال إسرائيل لنصر الله والضربة التي وجهتها إلى عدد كبير من كبار قادة حزب الله يعتبر انتصارا كبيرا في الساحة السياسية الإسرائيلية بمختلف أطيافها".

"ولكن في ظل غياب نهاية واضحة سواء للبنان أو غزة، ومع إرهاق الجيش الإسرائيلي، واستمرار إطلاق الصواريخ، واستمرار أسر الرهائن، ووجود عشرات الآلاف من النازحين، وتدهور اقتصاد إسرائيل، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت إسرائيل ستحول المكاسب العسكرية إلى مكاسب دبلوماسية وأمنية".

وترى مجلة إيكونوميست أن وفاة نصر الله "سوف تعيد تشكيل لبنان والمنطقة بطرق لم تكن لتخطر على بال أحد قبل عام.. ومن سيتولى زمام الأمور سيواجه اللحظة الأكثر خطورة في تاريخ حزب الله الممتد لأربعة عقود".

ولا يتعلق الأمر فقط بأن إسرائيل "قضت على قيادته العسكرية بالكامل تقريبا، ومحت عقودا من الخبرة في غضون شهرين، بل لأن التنظيم تعرض للمهانة أمام الجمهور اللبناني الذي أصبح بالفعل مستاء من حزب الله بسبب هيمنته المفرطة على السياسة الداخلية".

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، قال لموقع الحرة إن نصر الله شخصية غير عادية فقد تولى قيادة التنظيم لمدة 32 عاما، وهي مدة غير معتادة، مما يعني أن غيابه سيكون له تأثير على حزب الله ولبنان والمنطقة.

ويضيف الشوبكي في تصريحاته لموقع الحرة أنه لم يكن مجرد رئيس حزب سياسي أو زعيم دولة جاء في انتخابات، لكنه كان زعيم حزب عقائدي بقي على رأسه لعقود لذلك سيترك فراغا في القيادة.

والتنظيم "بلا شك سوف سيتأثر بغيابه في منطقة مضطربة بها الشكل"، وفق الشوبكي.

مرحلة "فارقة"

عماد جاد، وهو أيضا خبير في مركز الأهرام، وكان في السابق عضوا في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان المصري، قال لموقع الحرة إن نصر الله ليس فقط قياديا تاريخيا، لكنه شخصية كاريزمية سيؤثر غيابه على التنظيم.

ويتفق جاد على أن اغتياله جاء في "لحظة حاسمة: العدوان على لبنان، والقضاء على عدد كبير من القيادات، ما يعني أنه اختفى في ظروف غير عادية، وبالتالي، لن يتم نقل القيادة بسلاسة. من سيتولى القيادة بعد قيادة كاريزمية بالتأكيد سيعاني".

واغتياله جاء أيضا، وفق جاد، في وقت لم يصدر من إيران ما يشير إلى تضامنها مع حزب الله سوى بالكلمات، كما أن "بيئة حزب الله تآكلت، وهناك دمار ضخم في الضاحية الجنوبية، وهناك دعوات" لتطبيق القرار 1701الخاصة بانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني.

ويقول جاد إنه إذا "طبق القرار مع أي عمية تسوية حقيقة سواء في المستقل المنظور أو المتوسط، سيكون سلاحه محل تفاوض لنزعه، ما يعني أن بقاء قواته، مع نشر جنود من الجيش في المنطقة، سيعني أن هذا السلاح سيكون بلا جدوى، وستطرح تساؤلات عن شرعيته".

ويضيف جاد : "نحن في مرحلة فارقة"، وهي مختلفة عما حدث من قبل من جولات قتالية بين حزب الله وإسرائيل.

ويعتقد الشوبكي أن حزب الله سوف يواجه خيارين، هما إما الاستمرار في نفس السياسات السابقة، وهي التحالف مع إيران والتمسك بمحور "الممانعة"، أو إبداء مرونة أكبر تدفعه للقبول بالقرار 1701.

وبناء على الوضع الحالي، يتوقع الشوبكي أن يدير علاقته بإيران بشكل مختلف، لأنه سيضع في عين الاعتبار البيئة اللبنانية، خاصة أن غالبية اللبنانيين لا يؤيدون حربا مع إسرائيل، وحتى مؤيدي القضية الفلسطينية يؤيدون تقديم الدعم المدني والشعبي وليس الدخول في حرب.

ويتوقع أن حزب الله سوف يستمر في تحالفه مع إيران، لكنه سيحاول أن يكون أكثر اعتدالا وسيجمد الجبهة القتالية الشمالية بعد الضربات "القاسية" التي تعرض لها.

إلي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية قال في إشارة إلى خسارة التنظيم دعم إيران إن "النكسات التي عانت منها إيران وحلفاؤها تؤكد على ضعفها الاستخباراتي والعملياتي، ومع استعداد إسرائيل للتصعيد، وعم امتلاك طهران وسيلة حقيقية لمواجهة إسرائيل استخباراتيا، يبدو أنها مترددة، في مواجهتها عملياتيا".

وتشير إيكونوميست إلى أن نصر الله كان يتوقع أن تتدخل إيران لنجدته لكن هذا لم يحدث، ويرجع ذلك جزئيا إلى خوف قادة إيران من أن يكون قادتها أيضا قد تعرضوا لاختراق إسرائيلي.

وهم قلقون أيضا من تأثير إظهارهم الدعم العلني لجماعات مثل حزب الله على مكانتهم في الداخل.

لكن على المدى البعيد، قد تؤدي أحداث الأسبوعين الماضيين إلى "إعادة تشكيل سياسة الأمن الإيرانية"، وفق المجلة.

وعلى مدى عقود من الزمان، رأت إيران في ميليشياتها رادعا أساسيا لإسرائيل، "والآن تشاهدها وهي تتعرض لهجمات مميتة".

وتنقل مجلة إيكونوميست عن "مسؤول عربي" قوله إن ما تعرض له حزب الله يشبه ما حدث خلال حرب الأيام الستة في عام 1967.

وليس التشابه في أن إسرائيل وجهت ضربة سريعة وعنيفة لحزب الله فقط، بل لأن "الصراعين (1967والصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله) ظهرا وكأنهما يحطمان الأوهام التي حكمت المنطقة لفترة طويلة".

وتشير إلى أن نصر الله الذي أمضى سنوات في الحديث عن "محور المقاومة"، "قطعت إسرائيل رأس أقوى ميليشيا في غضون أسابيع، بينما جلست إيران مكتوفة الأيدي".

وتقول المجلة إن حزب الله لن يختفي من الوجود، فهو يمتلك آلافا من  المسلحين، وترسانة من الصواريخ بعيدة المدى، وقاعدة من الدعم الشعبي.

لكن الميليشيا التي ستخرج من هذه الحرب سوف تكون مختلفة تمام الاختلاف عن تلك التي دخلتها.

ويقول جاد لموقع الحرة إننا "في مرحلة فارقة، ليس في اغتيال حسن نصر الله لكن في الظروف المحيطة كلها. لو كان اغتياله تم في ظروف طبيعية، لما أحدث الأمر فرقا، لكن تدمير الجنوب واغتيال القيادات، وعمليات النزوح، والتململ في الداخل اللبناني، هذا كله يعني أن اغتياله هو "حلقة من حلقات غروب شمس حزب الله".

وهذا يعني أنه سوف يتعرض إلى تآكل تدريجي، وضعف في قدراته حتى يتم نزع سلاحه، ربما من خلال إدماجه في الجيش أو الامن الداخلي.

ويشير إلى تجربة مماثلة في العراق، وهي دمج قوات الحشد الشعبي في الحكومة، ورغم أنها لم تكن ناجحة تماما، فعلى الأقل بات الحشد يراعي حسابات الدولة العراقية.

وهذا يعني أنه يمكن السيطرة على القرارات الفردية لحزب الله الذي يمتلك شبكة اتصالات مستقلة، وجناحا خاصا في مطار بيروت لا يخضع للتفتيش، ولديه مناطق تحت سيطرته بالكامل في الجنوب، وعنده سلاح أقوى من الجيش، وفق جاد.

ويقول الشوبكي إن ما يساعد في غلبة احتمال أن يكون حزب الله أكثر اعتدالا هو "قدرة الولايات المتحدة في الضغط على إسرئيل ووقف إطلاق النار في غزة وإنهاء محنة المدنيين التي أثرت على الضمير العالمي".

ويرى الشوبكي أن إنهاء حرب غزة سيعزز فرص احتمال أن يكون أكثر اعتدالا مع تصاعد الضغوط الداخلية على الحزب.

وفي حال وجود مسار سلمي، سوف يساعد ذلك على سحب رصيد من الحاضنة الشعبية للفصائل المسلحة لدى الجمهور، "وبالتالي سوف تذهب طاقة الجمهور المؤيد لحماس أو حزب الله إلى التنمية الاقتصادية والسياسية ومشروع بناء الدولة الفلسطينية وليس دعم فصائل المقاومة المسلحة أو القيام بعمليات مسلحة".